صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل: أرقام ضخمة واستراتيجيات سياسية خلف إعلان نتنياهو

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن مصادقته على صفقة غاز ضخمة مع مصر تقدر قيمتها بنحو 35 مليار دولار، في خطوة اعتُبرت على المستوى الأول اقتصاديًا بحتًا، لكنها في الحقيقة تحمل أبعادًا سياسية وجيوسياسية وأمنية واضحة.
وتكشف تفاصيل الصفقة، وطريقة إعلانها، وحجم العائدات، عن شبكة مصالح معقدة تتقاطع فيها السياسة بالاقتصاد والدعاية بالمساءلة.
1. مسار الصفقة: من المفاوضات السرية إلى الإعلان السياسي
لم تكن الصفقة وليدة اللحظة، بل جاءت بعد أشهر من المفاوضات المبدئية بين الشركات المشغلة لحقل الغاز الإسرائيلي “ليفياثان”، وعلى رأسها شركة شيفرون الأمريكية، والجانب المصري.
العقبات التي واجهت الاتفاق لم تكن تجارية فقط، بل سياسية داخل إسرائيل، إذ أوقف وزير الطاقة المصادقة النهائية لفترة، مطالبًا بضمانات تخص السوق المحلية وأسعار الغاز للمستهلكين.
التدخلات السياسية العليا، والضغط الأمريكي غير المباشر، ساهمت في تسريع المصادقة على الصفقة، نظرًا لأهميتها في استقرار سوق الطاقة الإقليمي ومصالح واشنطن في شرق المتوسط.
وأبرزت تصريحات نتنياهو جانبًا سياسيًا في الإعلان، حيث ركز على حجم الأموال التي ستدخل خزينة الدولة، محوّلًا الصفقة الاقتصادية إلى أداة سياسية للترويج لإنجاز حكومي في فترة حساسة سياسيًا وأمنيًا.
2. المستفيدون والعائدات المالية
رغم إعلان نتنياهو عن عائدات ضخمة لصالح الدولة والمواطنين، فإن القيمة الإجمالية البالغة 35 مليار دولار لا تعني تحويل كل المبلغ مباشرة للخزينة.
جزء كبير من الأموال سيذهب لتغطية تكاليف التطوير والحفر والنقل، إضافة إلى الضرائب والإتاوات، بينما تمتد مدة العقد حتى عام 2040، ما يعني توزيع الإيرادات على سنوات طويلة، مما يقلل من الأثر المالي الفوري الذي تحاول الحكومة الترويج له.
كما أثيرت مخاوف بشأن حماية السوق المحلي الإسرائيلي من نقص الغاز أو ارتفاع الأسعار، في حين ظل النقاش العام حول الصفقة محدودًا ولم يتاح للرأي العام الاطلاع على جميع تفاصيلها.
3. مصر كطرف رئيسي: بنية تحتية واستراتيجية إقليمية
اختيار مصر لم يكن عشوائيًا، إذ تمتلك القاهرة منشآت متقدمة لتسييل الغاز، ما يجعلها بوابة لإعادة التصدير إلى أوروبا. وتعزز الصفقة مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، بينما تمنح إسرائيل نفوذًا غير مباشر من خلال ربط جزء من أمن الطاقة المصري بإمدادات الغاز الإسرائيلية.
4. البعد الأمني والجيوسياسي للصفقة
حقول الغاز وخطوط الأنابيب تُعد منشآت استراتيجية عالية الحساسية. وأي تصعيد إقليمي قد يحوّل هذه المنشآت إلى أهداف محتملة، مما يزيد الحاجة إلى حماية مكلفة تشمل التعاون البحري والاستخباراتي.
كما تستخدم إسرائيل تصدير الغاز لتعزيز شبكة التحالفات الإقليمية وربط مصالح دول الجوار باستقرارها، رغم أن هذا الرهان يبقى محفوفًا بالمخاطر إذا تغيرت المعادلات السياسية.
5. المعارضة والأسئلة المفتوحة
لم تمر الصفقة دون معارضة داخل إسرائيل، إذ طالبت أحزاب ولجان برلمانية بنشر تفاصيل الاتفاق كاملة ومزيد من الرقابة.
كما أعرب ناشطون بيئيون عن قلقهم من تأخير التحول للطاقة المتجددة بسبب التركيز على الغاز، معتبرين أن خطاب “الأمن الطاقي” يستخدم لتبرير استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري.
صفقة الغاز بين إسرائيل ومصر تمثل أكثر من مجرد اتفاق اقتصادي ناجح؛ فهي صفقة تجمع بين المصالح التجارية والسياسية، وتوظف الأرقام كأداة خطابية.
وبينما تؤكد الحكومة الإسرائيلية أنها ستعود بالنفع على الدولة والمواطنين، تبقى أسئلة حول الشفافية، وتوزيع العائدات، وحماية السوق المحلية، والأثر البيئي، بلا إجابات نهائية.
وقد تُسجّل الصفقة كأحد أكبر اتفاقيات الطاقة في المنطقة، لكنها ستظل نموذجًا لكيفية تحويل الغاز إلى أداة نفوذ سياسي ومصدر جدل مستمر.



