
كتبت: شروق محمد
أعاد حادث سرقة مجوهرات التاج من متحف اللوفر في أكتوبر 2025 طرح تساؤلات حول قدرة المتاحف الكبرى على حماية تراثها، بعد عملية نفذت بجرأة عالية واحترافية تقترب من السيناريوهات السينمائية، في واحدة من أخطر السرقات التي شهدها المتحف منذ حادثة اختفاء لوحة الموناليزا عام 1911.
الموناليزا… بداية تاريخ السرقات داخل اللوفر
تاريخياً، لم تكن سرقة عام 2025 الأولى في المتحف الباريسي. ففي عام 1911، استغل العامل الإيطالي فينتشنزو بيروجيا خبرته بالمكان لاختطاف لوحة الموناليزا من جدرانه، ليخفيها عامين قبل اكتشاف مكانها وإعادتها. ورغم أن الواقعة تحولت إلى علامة فارقة في تاريخ الفن، فإنها وضعت اللوفر في دائرة دائمة من الشك حول مستوى تأمينه.
سرقة منظمة و دقيقة
في يوم الأحد 19 أكتوبر 2025، وفي نحو الساعة التاسعة والنصف صباحًا، تمت السرقة بعد ثلاثين دقيقة فقط من فتح أبواب المتحف للزوار. وبحسب التحقيقات، وصلت عصابة مكونة من عدة أفراد إلى الجانب المطل على نهر السين متنكرين كعمال صيانة، يرتدون سترات فسفورية ويدفعون بمصعد أثاث خارجي للوصول إلى شرفة في الطابق الأول.
وبمجرد الدخول عبر نافذة قطع زجاجها بأداة كهربائية، توجه اللصوص إلى قاعة “الجاليريه دابولون” حيث تُعرض مجوهرات التاج الفرنسي. ورغم تفعيل نظام الإنذار ووجود حراس أمن، نجحت العصابة في تهديد بعضهم، وتحطيم صندوقي عرض، وانتزاع القطع المستهدفة. ولم تستغرق العملية أكثر من ثماني دقائق، وسط حركة زوار اعتيادية.
سرقة ثمنها تاريخي
أسفرت العملية عن فقدان ثماني قطع ملكية نفيسة من مجوهرات التاج الفرنسي تعود للقرن التاسع عشر، بينها تيجان وعقود وبروشات مرصعة بالألماس والزمرد والياقوت. وقدرت النيابة الفرنسية قيمة المسروقات بنحو 88 مليون يورو، بينما رفعت تقارير دولية التقديرات إلى ما يقارب 100 مليون دولار، في أكبر عملية سرقة من حيث القيمة في تاريخ المتحف.
مجوهرات مفقودة و التحقيقات مستمرة
شهدت الأيام الأولى توقيف مشتبه بهما من ضاحية سين-سان-دوني شمال باريس، قبل أن تتوسع الاعتقالات لاحقاً لتشمل ما يتراوح بين سبعة وتسعة أشخاص. ومع نهاية نوفمبر، وجهت تهم رسمية لأربعة منهم يعتقد أنهم شاركوا بشكل مباشر في التنفيذ، وأودع أحدهم السجن الاحتياطي. ورغم ذلك، لا تزال المجوهرات مفقودة حتى ديسمبر 2025 في ظل تحريات واسعة حول احتمال تسريبها لشبكات تهريب دولية.
اتهامات بالتقصير و أزمات تقنية
تداعيات الحادث لم تتوقف عند الجانب الجنائي، بل فجرت غضباً داخل المتحف، حيث كشف التحقيق عن تعطل كاميرات مراقبة بالتزامن مع الواقعة، إضافة إلى تأخير في وصول قوات الأمن وتحرك إحداها إلى موقع خاطئ. وتصاعدت الأزمة بإضراب لموظفي المتحف احتجاجًا على نقص العمالة وضعف البنية التحتية، فيما أعلن البرلمان عن مساءلات رسمية لإدارة المتحف، وقررت وزارة الثقافة الفرنسية إعادة تقييم منظومة الأمن بالكامل.
العقوبة
وفق القانون الفرنسي، تصنف سرقة الممتلكات الثقافية الوطنية كجناية مشددة، خاصة إذا تمت ضمن إطار عصابة منظمة وباستخدام أدوات اقتحام. وقد تصل العقوبة إلى 30 سنة سجن وغرامات مالية ضخمة، إلى جانب تهم محتملة أخرى تتعلق بتكوين شبكة إجرامية أو حيازة ممتلكات مسروقة أو غسل أموال.
سرقات عالمية أخرى
أعادت الحادثة للأذهان سلسلة عمليات سرقة شهيرة هزت المتاحف العالمية، أبرزها:
– سرقة 13 لوحة من متحف إيزابيلا ستيوارت جاردنر ببوسطن عام 1990، بقيمة 600 مليون دولار ولم تسترد حتى اليوم.
– اختفاء لوحة “الصرخة” لادوارد مونك مرتين في النرويج عامي 1994 و2004.
– سرقة لوحتين لڤان جوخ من متحف أمستردام عام 2002.
– الاستيلاء على عملة ذهبية وزنها 100 كجم من متحف بوده ببرلين عام 2017.
– سرقة مجوهرات ملكية من “القبو الأخضر” في درسدن عام 2019.
تعد سرقة اللوفر عام 2025 فصلاً جديدًا في سجل طويل من الجرائم التي طالت أهم المؤسسات الثقافية في العالم، ورسالة واضحة بأن تطور التخطيط الإجرامي لا يقل سرعة عن تطور الوسائل الأمنية. ومع غياب المجوهرات عن الظهور حتى الآن، تبقى القضية مفتوحة أمام التحقيق… وأيضاً أمام التاريخ.



