2026 على صفيح ساخن: هل تقترب الحرب الروسية الأوكرانية من تسوية أم تتجه إلى تصعيد أخطر؟

مع اقتراب عام 2026، تقف الحرب الروسية الأوكرانية عند لحظة مفصلية بعد نحو أربعة أعوام من القتال المستمر، الذي أحدث تحولات عميقة في بنية الأمن الأوروبي، وفرض كلفة إنسانية واقتصادية وسياسية ثقيلة، ليس فقط على طرفي الصراع، بل على النظام الدولي ككل.
وفي ظل مؤشرات متباينة بين تفاؤل أمريكي حذر، واستعداد روسي مشروط، وموقف أوروبي صارم يربط أي تسوية بضمانات أمنية لكييف، تتصاعد التساؤلات حول مستقبل الصراع:
هل تتمكن موسكو من تكريس مكاسبها الميدانية ضمن اتفاق سياسي؟ أم تنجح أوكرانيا، بدعم غربي، في فرض تسوية تحفظ سيادتها وحدودها المعترف بها دوليًا؟
تفاؤل أمريكي حذر
أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اعتقاده بأن فرص التوصل إلى سلام في أوكرانيا باتت أقرب من أي وقت مضى، وذلك عقب محادثات مكثفة استمرت يومين بين مسؤولين من الولايات المتحدة وأوروبا وأوكرانيا، وأسهمت في تقليص الخلافات حول عدد من الملفات الشائكة.
وجاءت تصريحات ترامب بعد مشاركته هاتفيًا في اجتماع لزعماء أوروبيين في برلين، حيث أشار إلى تحقيق تقدم ملموس في المسار التفاوضي، رغم تعقيد المشهد وتشابك المصالح.
وأكد أن إنهاء الحرب يتطلب اتفاقًا متبادلًا بين موسكو وكييف، مشيرًا إلى أن الطرفين أظهرا في السابق استعدادًا للسلام ثم تراجعا عنه.
ووصف ترامب الاتصالات مع القادة الأوروبيين بأنها “إيجابية للغاية”، كاشفًا عن محادثات مطولة أجراها مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، إلى جانب تواصل أمريكي مباشر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إشارات روسية إيجابية بشروط
من جانبها، أبدت موسكو إشارات توحي بانفتاح دبلوماسي مشروط. فقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الاتصالات مع واشنطن بشأن الملف الأوكراني تحمل مؤشرات مشجعة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة باتت تفهم الموقف الروسي بشكل أعمق، وأن موسكو تنتظر ردًا أمريكيًا بشأن نتائج المباحثات مع الوفد الأوكراني.
بدوره، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن الأطراف باتت قريبة من التوصل إلى حل دبلوماسي، مؤكدًا استعداد روسيا لإبرام اتفاق، لكنه ربط وقف العمليات العسكرية بما وصفه باعتراف حلفاء كييف بالنتائج التي حققتها روسيا على الأرض.
الموقف الأوروبي: ضمانات أولًا
في المقابل، شدد القادة الأوروبيون على أن أي اتفاق لإنهاء الحرب يجب أن يتضمن ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا. وأيدوا إنشاء قوة متعددة الجنسيات بقيادة أوروبية وبدعم أمريكي، إلى جانب آلية أمريكية لمراقبة وقف إطلاق النار بمشاركة دولية.
وأكد القادة الأوروبيون أن أمن أوكرانيا واستقلالها وازدهارها يشكلون ركيزة أساسية للأمن الأوروبي الأطلسي، داعين إلى تعويض أوكرانيا عن الأضرار التي خلفتها الحرب، وداعمين بقوة مسار انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. كما شددوا على مبدأ عدم جواز تغيير الحدود الدولية بالقوة.
السيناريوهات المحتملة في 2026
أولًا: تجميد الصراع – الاحتمال الأعلى
يقوم هذا السيناريو على وقف إطلاق نار طويل الأمد عند خطوط التماس الحالية، من دون توقيع اتفاق سلام نهائي أو معالجة جذور الأزمة. وتبقى المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية تحت إدارتها الفعلية، مع تعليق العمليات العسكرية الواسعة، في نموذج يشبه الحالة الكورية.
ثانيًا: الاتفاق المؤلم – الاحتمال المتوسط
في هذا المسار، تتعرض أوكرانيا لضغوط سياسية واقتصادية متزايدة، خصوصًا من الولايات المتحدة وحلفائها، للقبول بتسوية تقوم على الحياد العسكري وتقليص قدراتها العسكرية، مقابل ضمانات أمنية محدودة ورفع تدريجي للعقوبات عن روسيا.
ورغم تسويق هذا الخيار دوليًا باعتباره حلًا واقعيًا لوقف النزيف، إلا أنه يحمل كلفة سياسية داخلية عالية لكييف، وقد يُنظر إليه كتنازل يمس السيادة وخيارات المستقبل.
ثالثًا: الانفجار الإقليمي – الاحتمال الأضعف
يفترض هذا السيناريو انهيار المفاوضات وتدهور الوضع الميداني الأوكراني، ما قد يدفع حلف شمال الأطلسي إلى تدخل محدود بذريعة حماية أوكرانيا، قبل أن يتطور لاحقًا إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، تتجاوز الحدود الأوكرانية وتفتح الباب أمام صراع إقليمي واسع وربما عالمي.
ورغم انخفاض احتماله بسبب مخاطره النووية وكلفته الباهظة، فإن مجرد بقائه مطروحًا يعكس هشاشة التوازن القائم.
يبقى عام 2026 عامًا مفصليًا في مسار الحرب الروسية الأوكرانية، بين فرص تسوية غير مكتملة، وتوازنات ردع هشة، ومخاطر تصعيد كامنة.
وفي غياب اتفاق عادل ومستدام، يظل شبح الانفجار حاضرًا، مهددًا أمن أوروبا واستقرار النظام الدولي بأسره.



