أسلحة الليزر.. تعيد تعريف الدفاع الجوي في الحروب

لم يعد مشهد تدمير طائرة معادية بـ “شعاع ضوئي” مخصصاً لأفلام الخيال العلمي. ففي أجواء البحر الأحمر المضطربة ومناطق التوتر العالمية، يتجسد الآن واقع حرب جديدة تقودها أسلحة الطاقة الموجهة، وتحديداً الليزر عالي الطاقة وأشعة الميكروويف.
لقد أثبتت هذه التقنيات، التي تكلف طلقتها الواحدة بضع جنيهات فقط، فعاليتها في إسقاط الطائرات المسيرة الرخيصة التي كانت تكلف الصواريخ التقليدية ملايين الدولارات لاعتراضها. هذا التحول التكنولوجي يضع الدفاع الجوي أمام نقطة انعطاف تاريخية، ويشعل سباق تسلح عالمي محتدم بين القوى العظمى لتأمين الهيمنة العسكرية المستقبلية.
يشهد العالم سباقاً دولياً محموماً لتطوير ونشر أسلحة الليزر، تقوده الولايات المتحدة، والصين، وإسرائيل، والمملكة المتحدة، وروسيا، مدعوماً بمليارات الدولارات من ميزانيات الدفاع المتضخمة.
ووفقاً لـ “سيبري”، ارتفع الإنفاق العالمي على الدفاع إلى 2.443 تريليون دولار في عام 2023، مع تخصيص جزء متزايد لأسلحة الطاقة الموجهة التي تتميز بالدقة الفائقة والتكلفة المنخفضة، مما يهدد بتغيير قواعد الاشتباك العسكرية.
الولايات المتحدة: ريادة مكللة بالتحديات
تقود واشنطن هذا السباق، حيث خصصت وزارة الدفاع 3.9 مليار دولار في ميزانية 2026 لتطوير هذه الفئة من الأسلحة. النظام الأبرز هو “هيلوس” (HELOS) الذي طورته “لوكهيد مارتن”، وهو ليزر بحري بقوة 60 كيلووات نُشر تجريبياً على مدمرات في المحيط الهادئ لمواجهة التهديدات الصينية. ورغم هذه الريادة، يواجه الأمريكيون تحديات كبيرة؛ حيث تتأثر فعالية الليزر بالطقس، كما أن التقارير تشير إلى تأخر نسبي في الليزر الفضائي مقارنة بالصين، مما يؤخر الانتشار الكامل حتى عام 2027.
الصين: التحدي الصامت على حافة التفوق
تعتبر بكين الليزر جزءاً من استراتيجية “القفزة المزدوجة” للهيمنة بحلول 2035. فقد كشفت الصين عن نظام LY-1، وهو ليزر بحري يُزعم أنه يفوق نظام “هيلوس” في المدى والحجم، بقدرة على إسقاط الدرونز على مسافة 10 كيلومترات. وتحذر التقارير الاستخباراتية الأمريكية من تفوق صيني في الليزر الفضائي، مع اختبارات لأشعة جسيمات تهدد الأقمار الصناعية الأمريكية. ويعكس هذا التقدم الصيني، المدعوم بارتفاع الإنفاق الدفاعي إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي، صراعاً استراتيجياً يهدد التوازن العسكري القائم.
إسرائيل: “الشعاع الحديدي” واقع قتالي في الشرق الأوسط
في مايو 2025، حولت إسرائيل الليزر من مرحلة الاختبار إلى الواقع القتالي، عندما أعلنت وزارة الدفاع عن استخدام نظام “أيرون بيم” (Iron Beam) لإسقاط درونز حزب الله، مكملاً بذلك منظومة القبة الصاروخية. وبقوة عشرات الكيلووات، يدمر “أيرون بيم” الصواريخ قصيرة المدى بتكلفة تقارب 2 دولار للطلقة، وقد وصل النظام إلى النضج التشغيلي الكامل. هذا النجاح يعد ضرورة استراتيجية نظراً للضغوط الإقليمية، لكنه يثير مخاوف بشأن الانتشار الإقليمي، لا سيما مع تطوير إيران لأنظمة مشابهة.
الابتكار الأوروبي والمنافسة الروسية
في أوروبا، يمثل نظام “دراغون فاير” البريطاني رمزاً للابتكار الناتوي. وبعد اختبارات ناجحة، وقعت المملكة المتحدة عقداً لنشر الليزر على المدمرات، بقدرة على إسقاط الدرونز بسرعة 400 ميل/ساعة بتكلفة 13 دولاراً للطلقة، لتعزيز الدفاع ضد التهديدات الروسية. أما روسيا، فرغم نشرها لنظام “بريسفيت” (الليزر الأرضي لإعماء الأقمار)، فإن برنامجها يواجه عقبات بعد خسارة بعض المعدات، لكنها تواصل دفع الإنتاج، خاصة الليزر المخصص لمواجهة الدرونز الغربية في أوكرانيا.
مع تزايد توقعات بوصول حجم سوق الليزر العسكري إلى 10.92 مليار دولار بحلول 2033، يبدو أن الليزر بات درعاً لا غنى عنه للدفاع في عالم يتصاعد فيه التوتر، لكنه في الوقت ذاته يعزز سباق تسلح لا يتوقف.



