تقارير

تصعيد إسرائيل بسوريا وترامب يتدخل للتهدئة.. ماذا حدث؟

شهدت مناطق جنوب سوريا تصعيداً عسكرياً جديداً بعد مقتل ما لا يقل عن 13 شخصاً بينهم نساء وأطفال خلال مداهمة نفّذتها القوات الإسرائيلية في قرية بيت جن، في أعنف عملية منذ سيطرتها على هذه المنطقة عقب الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر 2024.

هذه العملية ليست مجرد حادث عسكري محدود، بل تحمل مؤشرات على توتر مستمر في منطقة حساسة استراتيجيًا، وتكشف عن تحديات دائمة أمام الاستقرار الإقليمي، خاصة في ظل الانقسام الدولي حول كيفية التعامل مع الوضع السوري والوجود الإسرائيلي في الجنوب.

بيت جن بين الهجوم الإسرائيلي والمقاومة المحلية

وفقاً لمصادر محلية ومسؤولين سوريين، داهمت القوات الإسرائيلية القرية لاعتقال عناصر قالت إنهم ينتمون إلى جماعة “الجماعة الإسلامية” المسلحة، لكن العملية تحوّلت إلى مواجهة مسلحة مع السكان.

وأسفرت العملية عن سقوط مدنيين، ما يثير تساؤلات حول حجم القوة المستخدمة وشرعيتها في مواجهة مقاومة محلية محدودة.

وأوضح السكان أن القوات الإسرائيلية استخدمت طائرات مسيرة ومروحيات وعتاداً ثقيلًا، مستهدفة كل حركة داخل القرية، بما في ذلك سيارات الإسعاف التي كانت تنقل المصابين.

هذه الوقائع تشير إلى أن العمليات الإسرائيلية في الجنوب السوري لم تعد مقتصرة على اعتقالات محددة، بل تتخذ طابعاً عقابياً قد يزيد من الاحتقان المحلي ويعقّد أي جهود لاحقة للحوار أو الاستقرار.

اقرأ أيضاً:نتنياهو يتقدم بطلب رسمي للرئيس الإسرائيلي للعفو عنه

التصعيد العسكري وتكرار العمليات في جنوب سوريا

منذ الإطاحة بالأسد، واصل الجيش الإسرائيلي توسيع نطاق عملياته في جنوب سوريا، بما في ذلك ضربات جوية متكررة ومداهمات لاعتقال مشتبه بهم، ما أسفر عن مئات القتلى في مدن وقرى متعددة.

هذه العمليات المتكررة تعكس استراتيجية إسرائيلية قائمة على الحصار والتفتيش الأمني المكثف، لكنها في الوقت ذاته تعزز الشعور بالغضب الشعبي وتفاقم الانقسامات الطائفية والسياسية في المنطقة.

التحليل الاستراتيجي يشير إلى أن هذه العمليات ليست عشوائية، بل تهدف إلى تثبيت النفوذ الإسرائيلي في مناطق حساسة، وفي الوقت نفسه اختبار قدرة الحكومة السورية الجديدة على فرض سلطة مركزية في جنوب البلاد، وسط ضغوط دولية متزايدة.

اقرأ أيضاً:الأمين العام لحزب الله: سنرد على إسرائيل وسنحدد التوقيت   

الانعكاسات السياسية والدور الأمريكي

أثار التصعيد ردود فعل دولية، أبرزها تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي دعا إسرائيل للحفاظ على “حوار قوي وصادق” مع سوريا، مؤكداً على أهمية عدم عرقلة تطور الدولة السورية نحو الاستقرار والازدهار.

وتأتي هذه التصريحات في وقت تحاول فيه إدارة ترامب تعزيز علاقات الولايات المتحدة مع الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، واعتباره عاملاً استقرارياً في المنطقة.

التحليل السياسي يشير إلى أن واشنطن تحاول موازنة مصالحها بين الحفاظ على علاقتها بإسرائيل وتقديم إشارات لدعم الدولة السورية، في محاولة لتفادي تدهور أمني أوسع قد يشمل لبنان وفصائل المعارضة الأخرى.

ردود الفعل السورية والدعوات الدولية

حكومة سوريا وصفت العملية بأنها “مجزرة مروعة” ودعت المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية، معتبرة أن هذا التوغل يمثل انتهاكاً واضحاً للسيادة الوطنية.

وتزامن هذا مع تزايد التوتر الإقليمي، خصوصاً بعد الغارات الإسرائيلية على لبنان التي أسفرت عن مقتل مسؤولين كبار في حزب الله.

التحليل الاستراتيجي يشير إلى أن استمرار هذه العمليات قد يؤدي إلى سلسلة تصعيدات متبادلة بين إسرائيل والفصائل المسلحة السورية واللبنانية، ما يزيد احتمال توسيع دائرة النزاع، ويضع حلفاء واشنطن أمام اختبار صعب في كيفية الرد على هذه الانتهاكات دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة.

استراتيجية إسرائيل في سوريا بين التوسع السياسي والأمن القومي

وفي سياق متصل، أكد حسام طالب، المحلل السياسي، في تصريحات خاصة لـ”داي نيوز”، أن أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من عملية بيت جين لا تختلف عن الأهداف التي تتبعها إسرائيل في سوريا منذ سنوات، والتي شملت أكثر من ألف غارة وأكثر من خمسمائة توغل داخل الأراضي السورية، إلى جانب استمرار احتلال المنطقة العازلة والسيطرة على مناطق في أرياف حلب الغربي وأرياف القنيطرة.

وأضاف طالب أن عملية بيت جين جاءت في إطار سعي إسرائيل لتثبيت مواقعها العسكرية وفرض أمر واقع جديد على الأراضي السورية، وهو ما يعد خرقًا واضحًا للقانون الدولي وللاتفاق الهدني الموقع عام 1974.

وأوضح أن نتنياهو يسعى من خلال هذه العمليات إلى تحقيق مكاسب سياسية داخلية، مستغلاً الملف السوري لتعزيز موقفه السياسي في الداخل الإسرائيلي، ما يعكس أهدافه التوسعية واستثماره للوضع الراهن لخدمة بقائه السياسي.

وأشار طالب إلى أن هذه العمليات تمثل جزءًا من استراتيجية إسرائيل الشاملة لفرض النفوذ والسيطرة على مناطق حساسة داخل سوريا، مشددًا على أن الهدف ليس محليًا فقط بل يمتد إلى إعادة تشكيل الخريطة الأمنية والسياسية في جنوب سوريا بما يخدم مصالح تل أبيب على المدى الطويل.

وأضاف أن استمرار هذه العمليات يفاقم الأزمة السورية ويزيد من حدة التوتر الإقليمي، ويجعل من أي حل سياسي أو تفاوضي مسألة أكثر تعقيدًا في المستقبل القريب.

من جانبه، يرى الباحث والدكتور راشد صلاح، الأستاذ بكلية الإعلام،في تصريحات خاصة لـ”داي نيوز” أن الهجوم الإسرائيلي على بيت جين يمكن النظر إليه من زاوية الضغوط الأمنية التي تواجهها تل أبيب على حدودها الجنوبية.

وأوضح صلاح، أن إسرائيل تعتبر هذه العمليات جزءًا من استراتيجيتها الدفاعية لمحاربة الجماعات المسلحة المنتشرة داخل الأراضي السورية، بهدف تقليل التهديدات المحتملة.

وأكد أن العملية، رغم سقوط عدد من المدنيين، تعكس منطقًا أمنيًا يسعى إلى حماية الحدود الإسرائيلية ومنع أي هجمات مستقبلية قد تتعرض لها الدولة العبرية.

وأضاف أن ذلك لا يبرر الخسائر البشرية بين المدنيين، لكنه يوضح جزءًا من دوافع إسرائيل للتصعيد العسكري في هذه المنطقة الحساسة.

في النهاية تظهر هذه التطورات أن جنوب سوريا أصبح ساحة اختبار لتوازن القوى الإقليمي، حيث تتقاطع مصالح إسرائيل والأطراف السورية الداخلية، بينما تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط غير المباشر.

عمليات إسرائيل المتكررة تكشف عن استراتيجية ردع واختبار للقدرات المحلية السورية، لكنها ترفع أيضًا من احتمالات ردود فعل عنيفة قد تتسع لتشمل لبنان وفصائل المقاومة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى