زيارة الشرع لواشنطن.. انفتاح سوري أم بداية تحديات جديدة؟
في حدث يُوصَف بالتاريخي، استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، في أول زيارة رسمية لرئيس سوري إلى واشنطن منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1946.
وخلال اللقاء، أعلن الشرع رغبة بلاده في الانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مؤكّدًا استعداد سوريا الكامل للتعاون في مواجهة التنظيمات المتطرفة، مع الحفاظ على استقلال قرارها الوطني.
وقال الشرع إن سوريا «تسعى لاستعادة دورها الفاعل في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب»، فيما شدّد وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى على أن الانضمام سياسي وليس عسكريًا في هذه المرحلة.
التحالف السياسي لا يعني المشاركة في العمليات العسكرية الميدانية
أوضح المصطفى، في تصريحات هاتفية، أن «التحالف السياسي ضد داعش يختلف عن عملية العزم الصلب (Operation Inherent Resolve)، وهي غرفة العمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في العراق وسوريا».
وأشار إلى أن دمشق لا تشارك في العمليات العسكرية المباشرة، لكنها منفتحة على التنسيق الاستخباراتي والأمني مع واشنطن، موضحًا أن الهدف هو «إعادة بناء الثقة» بعد سنوات طويلة من القطيعة بين البلدين.
من القطيعة إلى التنسيق المحدود: تحول تدريجي في العلاقات
كانت العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا قد انقطعت تمامًا في عهد الرئيس السابق بشار الأسد، إلا أن سقوط نظامه العام الماضي، بعد هجوم واسع قادته قوات المعارضة بزعامة الشرع، فتح الباب أمام إعادة تشكيل العلاقات بين الجانبين.
وقال مسؤول أمريكي رفيع، إن زيارة الشرع إلى واشنطن «تمثل لحظة مفصلية في السياسة الأمريكية تجاه سوريا»، مشيرًا إلى أن اللقاء مع ترامب تناول مستقبل الشراكة الأمنية وإعادة دمج سوريا في التحالفات الإقليمية.
اقرأ أيضاً:ترامب يوجه خطاب إلى الرئيس الإسرائيلي للعفو عن نتنياهو
نشاط تنظيم الدولة يتراجع لكن خطره لا يزال قائمًا
رغم خسارة تنظيم الدولة الإسلامية جميع الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، إلا أن خلاياه ما زالت تنفّذ هجمات متفرقة.
ووفق تقرير القيادة المركزية الأمريكية، بلغ عدد الهجمات في سوريا خلال عام 2025 نحو 311 هجومًا، مقابل 64 في العراق، بانخفاض ملحوظ عن العام السابق. ويرى مراقبون أن انضمام سوريا إلى التحالف قد يعزز التعاون الميداني لملاحقة فلول التنظيم.
واشنطن تعلّق بعض عقوبات «قيصر» كبادرة انفتاح حذر تجاه دمشق
بالتوازي مع التطور السياسي، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية تعليق بعض العقوبات المفروضة على سوريا بموجب «قانون قيصر» لمدة 180 يومًا، عقب اللقاء بين الرئيسين ترامب والشرع.
ويُعدّ القرار مؤشرًا على تحول أمريكي تدريجي تجاه دمشق بعد سقوط النظام السابق، بهدف تشجيع الحكومة الجديدة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومؤسسية.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان، إن الخطوة تهدف إلى «منح الشعب السوري فرصة حقيقية لتحقيق السلام والازدهار»، مؤكدة أن واشنطن ستواصل مراقبة أداء دمشق ومدى التزامها بخطوات الإصلاح والمصالحة الوطنية.
المفاوضات مع إسرائيل تحت مظلة أمريكية.. ودمشق ترفض الحديث عن التطبيع
لم تغب القضايا الإقليمية عن مباحثات واشنطن–دمشق، إذ تناول الجانبان التطورات المتعلقة بالمفاوضات الجارية بين سوريا وإسرائيل بوساطة أمريكية.
وقال وزير الإعلام السوري إن المفاوضات «لا تزال مستمرة دون نتائج جديدة بشأن اتفاق أمني»، مؤكّدًا أن دمشق ترفض حاليًا أي طرح للتطبيع أو الانضمام إلى اتفاقات أبراهام طالما أن إسرائيل تحتل أراضي سورية.
وشدّد المصطفى على أن أي تقدم في العلاقات يتطلب العودة إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 أو التوصل إلى اتفاق جديد يضمن انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة بعد سقوط نظام الأسد.
زيارة الشرع إلى واشنطن.. رسالة انفتاح تحمل أهدافًا استراتيجية لسوريا الجديدة
وفي سياق متصل، أكّد الدكتور نزار نزال، المحلل السياسي، في تصريحات خاصة لـ«داي نيوز»، أن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن تمثل تحولًا لافتًا في النهج السياسي السوري بعد سنوات من العزلة، مشيرًا إلى أن القيادة الجديدة في دمشق تسعى من خلالها إلى ترسيخ صورة مغايرة تمامًا عن المرحلة السابقة.
وأوضح نزال أن التحركات الدبلوماسية الأخيرة ليست مجرد خطوة رمزية، بل تعبّر عن محاولة مدروسة لإعادة التموضع السوري في النظام الإقليمي والدولي، خاصة بعد الانهيار الكامل لمنظومة التحالفات التي ارتبطت بالنظام السابق. وأضاف أن الهدف الأول من الزيارة هو كسر طوق العزلة السياسية والدبلوماسية الذي فُرض على سوريا منذ أكثر من عقد، وإعادة تقديمها كدولة يمكن التعامل معها ضمن ترتيبات الأمن الإقليمي الجديدة التي تشهدها المنطقة.
وأشار إلى أن الملف الاقتصادي يحتل أولوية قصوى في المباحثات المرتقبة، حيث تسعى دمشق للحصول على تخفيف تدريجي للعقوبات، خصوصًا تلك المرتبطة بـ«قانون قيصر»، بما يسمح بإنعاش الاقتصاد السوري الذي يعاني من شلل شبه كامل في البنية الإنتاجية والخدمات الأساسية. واعتبر نزال أن واشنطن قد تتجاوب جزئيًا مع هذه المطالب إذا رأت خطوات عملية من الحكومة السورية في ملفات الإصلاح والشفافية، مؤكدًا أن رفع العقوبات بشكل كامل سيبقى مشروطًا بإثبات حسن النوايا السورية في ملفات الأمن الإقليمي وحقوق الإنسان.
وحول الجانب الأمني، شدد نزال على أن دمشق تحاول العودة إلى طاولة التنسيق الأمني الإقليمي من بوابة مكافحة الإرهاب، لكنها في الوقت ذاته تسعى لضمان استقلال قرارها وعدم تحوّلها إلى تابع لأي محور دولي. وأوضح أن هذا الطموح يثير قلقًا واضحًا لدى إسرائيل، التي تنظر إلى أي تقارب سوري – أمريكي محتمل بوصفه تهديدًا لمعادلة النفوذ التقليدية في المنطقة، مشيرًا إلى أن تل أبيب تمارس ضغوطًا مكثفة على واشنطن لعدم السماح لسوريا بلعب دور أمني فاعل في المدى القريب.
وختم نزال تصريحاته بالتأكيد على أن “زيارة الشرع لا يمكن فصلها عن محاولة إعادة تعريف موقع سوريا في الخريطة السياسية الجديدة للشرق الأوسط، خصوصًا بعد التغيرات التي شهدتها التحالفات الإقليمية خلال السنوات الأخيرة”، لافتًا إلى أن نجاح هذه الزيارة سيعتمد على قدرة القيادة السورية على تحقيق توازن دقيق بين طموحات الانفتاح ومتطلبات الواقعية السياسية في تعاملها مع الولايات المتحدة وحلفائها.
من جانبه يرى أحمد ماجد، الباحث في العلوم السياسية،في تصريحات خاصة لـ«داي نيوز» أن زيارة الرئيس السوري إلى واشنطن تمثل خطوة رمزية لإعادة دمشق إلى الساحة الدولية، مشيراً إلى أن هذه الزيارة تعكس رغبة القيادة السورية في الانفتاح السياسي والدبلوماسي تدريجيًا، لكنها لا تُتوقع أن تؤدي إلى تغييرات جوهرية على المدى القصير، نظراً للتحديات الداخلية والخارجية المحيطة بسوريا.



