تقارير

سقوط الفاشر: كيف غيّرت سيطرة الدعم السريع خريطة الحرب في دارفور؟

أعلنت قوات الدعم السريع عن سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر، التي تعد عاصمة ولاية شمال دارفور وآخر المدن الرئيسية التي كانت تحت نفوذ الجيش السوداني.

يُمثل هذا  تطوراً حاسماً في مسار النزاع في المنطقة، حيث أصبحت جميع الولايات الخمس في دارفور تحت سيطرة القوات شبه العسكرية هذه بالفعل.

تم الإعلان عن ذلك من خلال بيان رسمي مصحوب بصور توثق انتشار مقاتلي القوات داخل المدينة وفي مقر الفرقة السادسة للمشاة.

ومع تزايد الانتظار لبيان يوضح الجيش ما حدث، أكد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أن الانسحاب من المدينة جاء “للحفاظ على أرواح المدنيين ومنع تفاقم الدمار في الفاشر”. وبعد هذا الانسحاب، أصبحت قوات الدعم السريع قد أسدلت الستار على سيطرتها على إقليم دارفور بأكمله.

يُعد الاستيلاء على الفاشر نقطة تحول عسكرية هائلة، إذ كانت المدينة آخر حصون الجيش في دارفور، الذي يغطي حوالي ربع مساحة السودان.

تُشكل الفاشر موقعاً استراتيجياً حيوياً يربط بين ولايات كردفان والشمالية ونهر النيل، كما أنها تفتح أبواباً حدودية واسعة مع تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان. عملياً، يعني سقوطها أن الدعم السريع يمسك الآن بخط الدفاع الغربي للبلاد من دارفور إلى كردفان، مما يمنحه تفوقاً في السيطرة على المناطق الحدودية.

يعتقد المتابعون أن هذه السيطرة تعزز من موقع الدعم السريع في المفاوضات، خاصة أن دارفور يُعتبر بوابة السودان نحو أربع دول أفريقية مرتبطة به روابط قبلية واقتصادية عميقة.

ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تصعيد الغارات الجوية بين الطرفين، مع الاعتماد المتزايد للجيش على الطائرات بدون طيار لاستعادة بعض النقاط.

يتميز الإقليم بثرائه بالموارد الطبيعية، بما في ذلك نسبة كبيرة من الثروة الحيوانية والمعادن في السودان، مما يجعل السيطرة عليه ذات قيمة اقتصادية بالإضافة إلى أهميته العسكرية والسياسية.

تُعد مناطق التعدين في دارفور من أغنى مصادر الذهب في البلاد، مثل جبل عامر في شمال دارفور قرب الفاشر، الذي يُعد أحد أكبر المواقع للتعدين الشعبي، ومنطقة الردوم في جنوب دارفور بالقرب من نيالا، التي كانت مركزاً رئيسياً لاستخراج الذهب لسنوات.

كانت هذه المناطق في الماضي مصدر تنافس مسلح، مما يضيف طبقة إضافية من الأهمية للسيطرة على الفاشر والمناطق المجاورة.

مع سقوط الفاشر، قد تفقد حركتا العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، قواعدهما الجغرافية في دارفور، مما يهدد بانهيار نفوذهما السياسي والعسكري في المنطقة.

كانت هاتان الحركتان جزءاً من القوى التي وقعت اتفاق جوبا للسلام في عام 2020، لكن وجودهما الآن في خطر مع تغير توازن القوى على الأرض.

تُرى سيطرة الدعم السريع على الفاشر كنقطة مفصلية في الحرب التي اندلعت في أبريل/نيسان 2023. فقد أصبحت القوة هذه تسيطر فعلياً على معظم غرب السودان، مما يمنحها عمقاً جيوسياسياً واسعاً.

ويحلل الخبراء أن هذا التغيير قد يعيد رسم معالم النزاع وربما يعدل من شروط التفاوض، لكنه يثير في الوقت ذاته قلقاً من امتداد الاشتباكات إلى ولايات كردفان ودارفور الكبرى، حيث تتداخل الولاءات القبلية مع المصالح الاقتصادية.

لم يأتِ سقوط الفاشر في ليلة وضحاها، بل بعد حصار مطول ومعاناة إنسانية شديدة. قد يغير هذا الاستيلاء ملامح الحرب، وربما ملامح السودان ككل.

اليوم، أصبحت المدينة تحت سلطة جديدة، وأمام مستقبل غامض.

وبينما ينتظر السودانيون ما سيحدث بعد، يظل السؤال الرئيسي معلقاً: هل تشكل الفاشر نهاية للصراع، أم بداية مرحلة أكثر عنفاً؟

Mariam Hassan

مريم حسن كاتبة وصحفية متخصصة في الشأن الهندي ـ الباكستاني و جنوب شرق آسيا خبرة سنتين في مجال العمل الصحفي والإعلامي. أماكن العمل : داي نيوز الإخباري. أعمل على ترجمة وتحرير الأخبار والتقارير الصحفية المتنوعة. تحليل و دراسة التحولات السياسية والتهديدات الأمنية في آسيا وانعكاساتها على الأمن القومي المصري والعربي. متابعة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، وتحليل سياسات القوى الإقليمية وأنماط التحالفات بين جنوب آسيا والشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى