أخبار دولية

تحالف أمريكي-ياباني جديد لتقليص نفوذ الصين في سوق المعادن النادرة

في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الاستقلال عن الإمدادات الصينية، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي، يوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025، اتفاقية إطارية تركز على تأمين سلاسل توريد المعادن النادرة والحيوية، التي تشكل مكونات أساسية في الصناعات الإلكترونية والتكنولوجيا المتقدمة.

جرت مراسم التوقيع في قصر أكاساكا الشهير بتصميمه الباروكي الحديث في طوكيو، تحت ثريات ذهبية مزخرفة، وسط تصفيق المسؤولين الحاضرين، مما يعكس عمق الشراكة بين البلدين.

رغم عدم الإشارة الصريحة إلى الصين من قبل الزعيمتين، إلا أن الاتفاقية تأتي كرد فعل مباشر على هيمنة بكين، التي تسيطر على أكثر من 90% من معالجة هذه المعادن عالمياً، مما يثير مخاوف بشأن الاعتماد الاستراتيجي.

وفي الآونة الأخيرة، شددت الصين قيودها على تصدير هذه الموارد، مما دفع الولايات المتحدة واليابان إلى البحث عن بدائل لضمان الاستقرار في سلاسل التوريد. وفقاً لتقارير، فإن الصين تنتج حوالي 70% من التعدين العالمي لهذه المعادن، وتصدر 90% من المغناطيسات المصنوعة منها، وهي ضرورية للصناعات مثل الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية والطائرات العسكرية.

أعلن البيت الأبيض أن الاتفاقية ستستخدم أدوات السياسة الاقتصادية والاستثمارات المنسقة لتسريع بناء أسواق “متنوعة ومرنة وعادلة” للمعادن الحيوية والنادرة. ومن المتوقع أن يقدم الطرفان دعماً مالياً لمشاريع مختارة خلال الأشهر الستة القادمة، بالإضافة إلى النظر في إقامة نظام تخزين احتياطي مشترك يجمع المصالح.

كما سيوسع التعاون مع شركاء دوليين آخرين لتعزيز أمن الإمدادات العالمية. وتشير بيانات من مجموعة أوراسيا إلى أن الولايات المتحدة تسيطر على 12% من الإنتاج العالمي، تليها ميانمار بنسبة 8%، بينما تغطي ماليزيا وفيتنام 4% و1% من عمليات المعالجة على التوالي، مما يفتح الباب أمام توسيع الشراكات في المنطقة.

يأتي هذا الاتفاق قبل يومين فقط من لقاء متوقع بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، يوم الخميس، على هامش قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في كوريا الجنوبية.

ويهدف اللقاء إلى مناقشة اتفاق محتمل يتضمن تعليق الرسوم الجمركية الأمريكية الإضافية مقابل تخفيف القيود الصينية على تصدير المعادن النادرة، في محاولة لتهدئة التوترات التجارية التي تصاعدت مؤخراً. وصف وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت هذه الإجراءات الصينية بأنها “إشارة إلى مدفع بازوكا موجه نحو سلاسل التوريد العالمية”، مشدداً على ضرورة بناء تحالفات لمواجهتها.

 استثمارات يابانية ضخمة في الطاقة الأمريكية

في إطار الاتفاق التجاري الثنائي الأوسع، تعهدت اليابان باستثمار يصل إلى 550 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، مع التركيز على قطاعات مثل توليد الطاقة والغاز الطبيعي المسال (LNG)، وفقاً لمصادر مطلعة على المحادثات. يأتي هذا الالتزام وسط ضغوط أمريكية متزايدة على اليابان للانتقال تدريجياً بعيداً عن الإمدادات الروسية، خاصة بعد فرض عقوبات على شركتي “روسنفت” و”لوك أويل”، أكبر مصدري النفط الروس، بهدف الضغط على موسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

كثّفت اليابان في السنوات الأخيرة مشترياتها من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، كجزء من استراتيجيتها لتنويع المصادر بعيداً عن أستراليا كمورد رئيسي، واستعداداً لانتهاء عقود الإمداد من مشروع “سخالين-2” الروسي، الذي ساهمت في إطلاقه شركتا “ميتسوي” و”ميتسوبيشي” عام 2009. يغطي “سخالين-2” نحو 9% من احتياجات اليابان من الغاز، وتنتهي معظم عقوده بين عامي 2028 و2033. ومع ذلك، يستورد اليابان أقل من 1% من احتياجاتها النفطية من روسيا بموجب إعفاءات من العقوبات، مع الاعتماد الرئيسي على الشرق الأوسط.

في يونيو الماضي، وقّعت شركة “جيرا” – أكبر مشترٍ للغاز في اليابان – اتفاقية لشراء ما يصل إلى 5.5 ملايين طن متري سنوياً من الغاز الأمريكي بعقود تمتد 20 عاماً، تبدأ التسليمات حول عام 2030، وهو حجم يعادل تقريباً وارداتها السنوية من “سخالين-2”. كما تعهدت “جيرا” باستثمار 1.5 مليار دولار في أصول غاز في ولاية لويزيانا، في أول دخول لها إلى إنتاج الغاز الأمريكي upstream، حيث توجد بالفعل “طوكيو غاز” و”ميتسوي”.

وفي الأسبوع الماضي، أبرمت “طوكيو غاز” – أكبر مزود غاز في المدن اليابانية – اتفاقية مبدئية لشراء مليون طن متري سنوياً من مشروع “ألاسكا للغاز الطبيعي المسال”، بعد إعلان مشابه من “جيرا” في سبتمبر. ومع ذلك، يؤكد مسؤول ياباني رفيع أن اليابان ترغب في الاستمرار في استيراد الغاز من “سخالين-2” للسيطرة على أسعار الكهرباء، نظراً لقربه الجغرافي – حيث يستغرق الشحن بضعة أيام فقط، مقارنة بأسبوع من ألاسكا وشهر من ساحل الخليج الأمريكي.

قال نوبوو تاناكا، الرئيس التنفيذي لشركة “تاناكا غلوبال” للاستشارات: “الولايات المتحدة تريد من اليابان التوقف عن استيراد الطاقة الروسية، لكن هذا هو المصدر الأقرب والأرخص للغاز الطبيعي المسال بالنسبة لليابان”.

وأضاف: “السؤال الحقيقي هو: هل تستطيع الولايات المتحدة توفير الغاز بنفس الأسعار المنخفضة من روسيا، وهل يمكن أن يكون الغاز من ألاسكا بنفس التكلفة؟”.

يُعد هذا التحالف جزءاً من جهود أوسع لترامب لبناء تحالفات إقليمية، حيث وقّع اتفاقيات مشابهة مع ماليزيا وتايلاند في كوالالمبور الأسبوع الماضي، ومع أستراليا بقيمة 8.5 مليار دولار لتطوير المعادن النادرة.

وفي سياق متصل، أشادت تاكايتشي بالعلاقات الأمريكية-اليابانية، واصفة إياها بـ”عصر ذهبي جديد”، مع تعهدات يابانية بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وتقديم 250 شجرة كرز إلى واشنطن للاحتفال بالذكرى المئوية لأمريكا.

كما زار الزعيمان قاعدة يوكوسوكا البحرية الأمريكية قرب طوكيو، التي تستضيف حاملة الطائرات يو إس إس جورج واشنطن، لتعزيز التعاون الأمني.

Mariam Hassan

مريم حسن كاتبة وصحفية متخصصة في الشأن الهندي ـ الباكستاني و جنوب شرق آسيا خبرة سنتين في مجال العمل الصحفي والإعلامي. أماكن العمل : داي نيوز الإخباري. أعمل على ترجمة وتحرير الأخبار والتقارير الصحفية المتنوعة. تحليل و دراسة التحولات السياسية والتهديدات الأمنية في آسيا وانعكاساتها على الأمن القومي المصري والعربي. متابعة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، وتحليل سياسات القوى الإقليمية وأنماط التحالفات بين جنوب آسيا والشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى