هل تصبح محطة «أكويو» بوابة تركيا نحو الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة؟

تستعد تركيا لدخول مرحلة جديدة من تاريخها في مجال الطاقة، مع اقتراب تشغيل أول محطة نووية لتوليد الكهرباء في ولاية مرسين جنوبي البلاد. فقد أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أن بلاده تقف على أعتاب “عصر نووي” جديد يهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الطاقوي.
محطة “أكويو” النووية، التي تُعد ثمرة شراكة إستراتيجية بين أنقرة وموسكو، تمثل أحد أكبر مشاريع التعاون بين البلدين بتكلفة تقارب 20 مليار دولار.
تضم المحطة أربعة مفاعلات نووية بقدرة إنتاجية إجمالية تبلغ 4.8 غيغاواط، ومن المتوقع أن تغطي نحو 10% من احتياجات تركيا من الكهرباء عند تشغيلها الكامل بحلول عام 2028.
ورغم أن المشروع بدأ فعليًا عام 2018 بعد اتفاق وُقّع عام 2010، فإن جائحة كورونا والتعقيدات الفنية أدت إلى تأخير موعد التشغيل الذي كان مقررًا في 2023 تزامنًا مع مئوية الجمهورية.
ومع ذلك، اكتملت أعمال البناء في المفاعل الأول وبدأت مرحلة الاختبارات التشغيلية تمهيدًا لتوليد الكهرباء قريبًا.
تحول إستراتيجي في أمن الطاقة
يُتوقع أن تسهم محطة “أكويو” في خفض واردات تركيا من الغاز الطبيعي المستخدم في توليد الكهرباء، بما يعادل 1.5 مليار دولار سنويًا، مما يعزز استقلال القرار الاقتصادي لأنقرة.
ويرى أردوغان أن إدراج المفوضية الأوروبية للطاقة النووية ضمن “الطاقة الخضراء” يدعم المسار التركي نحو التنمية المستدامة، مشيرًا إلى أن الطاقة النووية ستمثل نحو 11% من إنتاج الكهرباء بحلول عام 2035، لترتفع إلى 30% بحلول عام 2053 دعمًا لهدف “الحياد الكربوني”.
مكاسب اقتصادية وتنموية واسعة
يتجاوز أثر المشروع حدود إنتاج الكهرباء، إذ وفر خلال فترة الإنشاء أكثر من 16 ألف فرصة عمل، أغلبها لمهندسين وعمال أتراك، بينما من المنتظر أن يوفر التشغيل الدائم 4 آلاف وظيفة نوعية في مجالات الصيانة والهندسة النووية.
كما أبرمت مئات الشركات المحلية عقودًا تتجاوز قيمتها ملياري دولار، ما انعكس إيجابًا على الصناعة الوطنية ورفع مستوى الجودة والإنتاج في قطاعات الحديد والإلكترونيات والميكانيكا.
وتُقدّر الحكومة التركية أن المشروع سيساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بما يقارب 50 مليار دولار خلال العقود المقبلة، بفضل استقرار أسعار الطاقة وتقليص كلفة الواردات وتنمية المناطق الجنوبية.
طموح يتجاوز “أكويو”
لا تنوي أنقرة التوقف عند محطة “أكويو”، إذ تخطط لإنشاء محطتين نوويتين جديدتين في مدينتي سينوب على البحر الأسود وتراقيا شمال غربي البلاد. وقد بدأت بالفعل مفاوضات مع روسيا، الصين، كندا، كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة لتنفيذ هذه المشاريع في إطار شراكات دولية متعددة.
ووفق الخطط الحكومية، تستهدف تركيا الوصول إلى قدرة نووية مركبة تبلغ 7.2 غيغاواط بحلول عام 2035، ترتفع إلى 20 غيغاواط بحلول عام 2050 عبر بناء ثمانية مفاعلات كبيرة وعدد من المفاعلات الصغيرة.
يرى خبراء الطاقة أن دخول تركيا مجال الطاقة النووية يشكل ركيزة أساسية لتقليص اعتمادها على الواردات، التي تمثل نحو 70% من احتياجاتها الحالية.
لكنهم يحذرون في الوقت نفسه من اعتماد مفرط على روسيا في ظل نموذج “البناء والتملك والتشغيل”، حيث تبقى إدارة الوقود والصيانة بيد شركة روساتوم الروسية.
ويؤكد الباحثون أن تحقيق استقلال طاقي حقيقي يتطلب نقل التكنولوجيا النووية وتطوير إنتاج الوقود محليًا، إلى جانب تنويع الشركاء ودمج الطاقة النووية مع مصادر الطاقة المتجددة.
بهذا المشروع، تضع تركيا نفسها على خريطة الدول المنتجة للطاقة النووية السلمية، في خطوة تحمل أبعادًا اقتصادية وسياسية واستراتيجية، وتؤذن بمرحلة جديدة في مسيرة أنقرة نحو الاستقلال الطاقي والتنمية المستدامة.