
أُعلن وزير التخطيط والتنمية الباكستاني، أحسن إقبال عن انطلاق المرحلة الثانية من مشروع الممر الاقتصادي بين باكستان والصين خلال تفاعله مع الصحفيين في باكستان أثناء زيارته للصين الأسبوع الماضي.
كما صرح الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري بأن باكستان والصين شقيقتان مترابطتان، وأن تعاونهما الثنائي في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني سيساهم في تنمية المنطقة بأسرها، وأضاف في مقابلة مع شبكة تلفزيون الصين العالمية أن باكستان والصين صديقتان أبديتان تجمعهما مستقبل مشترك. وأضاف أن التعاون بين البلدين الشقيقين قد وصل الآن إلى آفاق جديدة، حيث تساعد الصين باكستان أيضًا في مجال الفضاء.
وأشار الرئيس إلى أن الممر الاقتصادي يمثل رؤية مستقبلية عظيمة، ومشروعًا رئيسيًا ضمن مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ “حزام واحد، طريق واحد”. وأضاف أن التنفيذ الناجح للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني سيساعد المنطقة بأسرها على التطور وزيادة الترابط.
تجديد الطموح الصيني الباكستاني
وفي تصريحات خاصة لموقع “داي نيوز” الإخباري أكد الدكتور عمار سيغة الباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية، على أنه لطالما كانت العلاقات الباكستانية الصينية محط الاهتمام، نظراً لقوة العلاقات التي تطورت بشكل سريع خلال العقدين الماضيين، حيث أصبحت الصين شريكاً اقتصادياً وتجارياً وعسكرياً لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لباكستان، ونظراً للمشاريع الضخمة التي أسستها الصين في باكستان في إطار مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ، و يمكن اعتبار قرار توسيع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ليشمل أفغانستان خطوة استراتيجية واقتصادية بالغة الأهمية، وتُقرأ كجزء من تحول جيوسياسي أوسع في المنطقة ، هذه الخطوة لديها مستويين استراتيجي واقتصادي.
كما أكد سيغة أن القراءة الاستراتيجية تحتم علينا اقحام الأبعاد الجيوسياسية والأمنية اذ تُعد بمنزلة إعادة تشكيل لمحور القوة الإقليمي في آسيا الوسطى والجنوبية، مع تأثيرات دولية ، فالصين تعمل على تعميق نفوذها و ملا الفراغ و تهدف من وراء ذلك الى إنهاء العزلة من خلال ترسيخ نفوذها في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة وحلف الناتو، عبر مبدأ “التنمية من أجل الأمن”.
وأضاف دكتور عمار أن الصين ترى أن أفضل طريقة لضمان الأمن على حدودها الغربية (شينجيانغ) هي الاستقرار الاقتصادي لمجالها الاقليمي ، كما تسعى الى بناء محور ثلاثي يرتكز على تشكيل محور بكين-إسلام آباد-كابول بهدف مواجهة النفوذ الأمريكي-الهندي في المنطقة وتعزيز مبادرة الحزام والطريق، هذا المحور يتيح للصين ممرًا بريًا استراتيجيًا للوصول إلى الشرق الأوسط عبر باكستان، وعمقًا استراتيجياً عبر أفغانستان ، فصراع النفوذ قائم بحدة أين يُنظر إلى هذا التوسع كخطوة لمواجهة محاولات الولايات المتحدة ودول أخرى لملء الفراغ في أفغانستان، و رسالة بأن المستقبل الاقتصادي لأفغانستان يمر عبر بكين.
انضمام الجانب الأفغاني للمشروع يضمن الأمن الكامل
و تسعى كذلك الصين الى تثبيت حكم طالبان وتحدي الشرعية فكسر العزلة يمنح حكومة طالبان شريان حياة اقتصادي وشرعية غير رسمية على الساحة الإقليمية، حتى مع استمرار عدم اعتراف المجتمع الدولي بالحركة ، و تطمح الصين الى فرض مقاربة الأمن مقابل الاستثمار أين تضغط الصين وباكستان بشكل مباشر على طالبان لضمان الأمن الكامل للمشاريع ومكافحة الجماعات المسلحة التي تهدد المنطقة (مثل تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان) ليُصبح الاستثمار الاقتصادي هو الورقة الضاغطة على طالبان لتبني سياسات أمنية معينة.
كما أكد الباحث على أن باكستان تمثل رهان الصين في استراتيجيتها الكبرى ، فالتوتر المستمر بين باكستان و الهند جراء الصراع الحدودي في منطقة “التبيت” يحتم على باكستان تغليب دور التوازن الذي بامكان الصين أن تلعبه ، فتمرير الصين لتكنولوجيا تخصيب اليورانيوم الى اسلام أباد و تمكينها من تصنيع القنبلة النووية خلق توازنا نوويا في المنطقة ، و انعكس على بيكين بامتيازات جيوسياسية و الاحاطة القارية و البحرية بالهند.
إقرأ أيضاً:الصين تفتتح أطول جسر في العالم وتقلّص زمن السفر من ساعتين إلى دقيقتين
خطط إقتصادية هائلة وراء هذا الممر
أما القراءة الاقتصادية فمن وجهة نظر الباحث هي تقوم على الفرص والمخاطر ، فيعتقد أنه قد تُفتح آفاق اقتصادية هائلة من حيث الموارد الطبيعية والتجارة، لكنها محفوفة بمخاطر مالية وأمنية فبالنسبة لفرص أفغانستان الاقتصادية باعتبارها بوابة آسيا الوسطى هي جسر تاريخي يربط جنوب آسيا بآسيا الوسطى ، هذا ما قد يسهل الوصول إلى أسواق أوزبكستان وطاجاكستان وتركمانستان، مما يعزز التجارة البرية ، فحاجة افغانستان المتزايدة لاستغلال الموارد فالصين مهتمة بشكل خاص بالوصول إلى الثروات المعدنية الهائلة في أفغانستان مثل النحاس والليثيوم وعناصر أرضية نادرة، والتي تقدر قيمتها بتريليونات الدولارات ، كما يوفر الممر البنية اللوجستية التحتية اللازمة لاستخراج هذه الموارد ونقلها، وتبرز الحاجة بذلك الى دعم البنية التحتية من خلال توسع استثمارات صينية ضخمة في الطرق والسكك الحديدية ومشاريع الطاقة في أفغانستان، وهو ما تحتاج إليه البلاد بشدة لتنشيط اقتصادها.
شراكة الهند وايران والأرمن تعيد تشكيل خريطة القوة الإقليمية
ويشير سيغة أنه بالحديث عن طموحات الهند مع ايران و ارمينيا فلا يمكن الحديث عن الربط الهندي دون ذكر ميناء تشابهار الإيراني، الذي يقع على الساحل الجنوبي الشرقي لإيران، ويوفر للهند طريقا مباشرا إلى آسيا الوسطى وأفغانستان ، فسعي الهند وإيران وأرمينيا اللاى تطوير شراكات استراتيجية نعتقد أنها تستهدف الحد من النفوذ التقليدي للولايات المتحدة ومنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية، من خلال إنشاء طرق تجارية جديدة تربط بين جنوب آسيا و أوراسيا وتعيد تشكيل خريطة القوة الإقليمية.
و يضيف: “نعتقد أن أرمينيا من تسعى إلى ربط أراضيها بتركيا وأذربيجان وإيران وجورجيا، وإنشاء شبكة نقل تربط بحر قزوين بالبحر الأبيض المتوسط والخليج العربي بالبحر الأسود ، ويشمل ذلك تطوير البنية التحتية الرئيسة من طرق وسكك حديدية وخطوط أنابيب وكابلات كهربائية، لتعزيز تدفق السلع والطاقة والأفراد عبر المنطقة ، و تمثل هذه المبادرة للأرمن فرصة تاريخية لإحياء دورهم التقليدي في التجارة الأوراسية، مستفيدين من موقعهم بين بحر قزوين والبحر الأسود لتجاوز العقبات التقليدية، مثل رفض باكستان فتح مجالها الجوي للهند ، كما توفر الهند وصولا موثوقا إلى أوروبا، بينما تعزز إيران موقعها كحلقة مركزية في الشبكة الأوراسية؛ ما يعكس تقاطع المصالح الاقتصادية والاستراتيجية بين الشركاء الثلاثة.
ومع ذلك يؤكد الباحث أنه يوجد مخاطر اقتصادية واستراتيجية، فمعضلة الديون تحتم على باكستان عدم المضي في الاعتماد المفرط على التمويل الصيني لأنه قد يعرضها لمخاطر فخ الديون، على غرار ما حدث لدول أخرى في مبادرة الحزام والطريق ، دون اهمال مخاطر الهندسة الجيولوجية فالممر عبارة تضاريس و مناطق جبلية صعبة ومعرضة لتهديدات أمنية متكررة ، مما يزيد من تكلفة التأمين على المشاريع ويُبطئ وتيرة التنفيذ.
وأختتم سيغة حديثه: “بذلك يكون الرهان الاستراتيجي للصين هو فرض مكانتها كقوة إقليمية مهيمنة عبر الاقتصاد ، أما بالنسبة لباكستان فهو فرصة لكسر العزلة والنهوض الاقتصادي و الظفر بحليف استراتيجي خاصة بعد الحرب الأخيرة مع الهند يمكنها من فرض توازن عسكري و نووي في القارة الآسيوية و في جوارها الاقليمي ، ولكنه يضع مستقبلها الاقتصادي بشكل كبير تحت مظلة القرار السياسي والأمني تحت رحمة المصالح الصينية المتعاظمة”.
ميول كابول نحو المحور الصيني الباكستاني
يرى الخبير في الشؤون الآسيوية إسلام شحته أن ميل كابول المتزايد نحو المحور الصيني–الباكستاني يمثل تحدياً استراتيجياً واضحاً للمصالح الهندية في المنطقة، لكنه لا يعني بالضرورة تراجعاً نهائياً لمشروعات نيودلهي الاقتصادية، مثل الممر الهندي عبر ميناء تشابهار والممر الدولي بين الشمال والجنوب INSTC.
ويشير شحته في تصريحات خاصة لـ”داي نيوز” إلى أن توسيع الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني (CPEC) ليشمل أفغانستان قد يُعيد توجيه جزء من التجارة الأفغانية والبنية اللوجستية نحو بكين وإسلام آباد، ما يضع ضغوطاً على الدور التجاري للهند في آسيا الوسطى.
أقرأ أيضاً:أفغانستان شبه مقطوعة عن العالم.. الأمم المتحدة تحذر من آثار قطع الإنترنت
وضع أفغانستان الأمني يقلل من فرص مشاركتها في الممر
ومع ذلك، يرى أن التحديات الأمنية والمالية وضعف الإدارة في أفغانستان تجعل من الصعب تحويل هذا المشروع إلى واقع شامل في المدى القصير، مما يمنح نيودلهي هامشاً زمنياً للتحرك الدبلوماسي والاقتصادي المضاد.
وفيما يتعلق بالاتفاق الأخير بين الصين والهند لاستئناف التجارة عبر معبر “شيبكي لا”، يعتقد شحته أن الخطوة ليست مجرد إجراء بروتوكولي أو صورة سياسية سطحية، بل هي محاولة براغماتية من الجانبين لتهدئة التوترات وفتح قنوات اقتصادية محدودة.
ومع ذلك، يؤكد الخبير في الشؤون الآسيوية أن بكين توظف هذا الانفتاح التكتيكي لشراء الوقت وتعميق حضورها في محيط الهند من خلال مشروعات استراتيجية موازية مثل CPEC، مما يعكس مقاربة صينية مزدوجة تجمع بين التهدئة الظاهرية والتحرك الجيو–اقتصادي العميق.
ويضيف شحته أن الصين لا تستهدف الهند فقط عبر هذا التوسع، بل تسعى لتأمين سلاسل إمداد بديلة، والوصول إلى موارد أفغانستان الغنية بالليثيوم والنحاس والمعادن النادرة. إلا أن ذلك – في نظره – يصب في إطار تنافس نفوذ طبيعي بين القوى الإقليمية الكبرى أكثر من كونه “ضربة استراتيجية مباشرة”.
ويختتم شحته تحليله بالتأكيد على أن الهند بحاجة إلى تسريع خطواتها في تشغيل ميناء تشابهار وربطه فعلياً بالـINSTC، وتقديم حوافز تجارية وتمويلية للشركاء الأفغان والآسيويين، بما يضمن بقاء نيودلهي لاعباً محورياً في معادلة الطرق والممرات العابرة للقارات، رغم صعود النفوذ الصيني في الجوار الغربي.