تقارير

لماذا يدافع رئيس الوزراء الإسباني عن غزة بهذه القوة؟

أثار رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز جدلاً واسعاً بمواقفه الحادة الداعمة للقضية الفلسطينية، وخاصة في قطاع غزة، حيث اتُهِم من قبل إسرائيل بالتهديد بـ”تدمير الدولة اليهودية”، بينما يُعتبر في أوروبا أحد أبرز الأصوات المناهضة للسياسات الإسرائيلية.

في 8 سبتمبر 2025، أعلن سانشيز عن قرارات جريئة تشمل حظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل ومنع السفن التي تحمل وقوداً للجيش الإسرائيلي من الرسو في الموانئ الإسبانية.

وصف سانشيز العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بأنها “إبادة جماعية”، مؤكداً أن إسبانيا، رغم محدودية مواردها العسكرية والاقتصادية مقارنة بالقوى العظمى، ملتزمة بالدفاع عن القضايا العادلة.

وقال:

هناك قضايا تستحق القتال من أجلها، حتى لو لم نتمكن من الفوز بها بمفردنا.

 الإجراءات الإسبانية لدعم فلسطين

مواقف سانشيز ليست وليدة اللحظة، بل تأتي ضمن سلسلة من الخطوات المتسقة التي اتخذتها إسبانيا لدعم الفلسطينيين. في مايو 2024، أصبحت إسبانيا أول دولة أوروبية كبرى تعترف رسمياً بدولة فلسطين، في خطوة رمزية وتاريخية.

كما دعت إلى تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، انضمت إسبانيا إلى دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، التي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، وبدأت تحقيقات قضائية داخلية لتوثيق هذه الانتهاكات وتقديم الأدلة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

على الصعيد العملي، اتخذت إسبانيا إجراءات ملموسة، منها إلغاء المرحلة النهائية من سباق “طواف إسبانيا” للدراجات عام 2024 بسبب احتجاجات ضد مشاركة إسرائيل، مع دعوة سانشيز لاستبعاد إسرائيل من الأحداث الرياضية الدولية، مقارنة ذلك بالعقوبات المفروضة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.

كما فرضت إسبانيا حظراً شاملاً على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وألغت صفقات عسكرية بقيمة 700 مليون يورو لصواريخ مصممة إسرائيلياً

ومنعت السفن والطائرات التي تحمل أسلحة إلى إسرائيل من استخدام الموانئ أو المجال الجوي الإسباني.

كذلك، حظرت دخول أفراد متورطين في جرائم محتملة في غزة، مثل وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، إلى إسبانيا.

اقتصادياً، شددت إسبانيا القيود على استيراد المنتجات من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقلصت الخدمات القنصلية للمواطنين الإسبان في هذه المناطق.

على الصعيد الإنساني، زادت إسبانيا مساعداتها لغزة، حيث خصصت 10 ملايين يورو إضافية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ليصل إجمالي دعمها إلى 150 مليون يورو.

 رد إسرائيل واتهاماتها لسانشيز

أثارت هذه السياسات ردود فعل غاضبة من إسرائيل. اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سانشيز بالسعي لتدمير “الدولة اليهودية”، مستحضراً تاريخ إسبانيا في محاكم التفتيش وطرد اليهود في القرن الخامس عشر، قائلاً: “يبدو أن محاكم التفتيش، وطرد اليهود، والمحرقة النازية لم تكفِ سانشيز”.

كما انتقد وزير الخارجية الإسرائيلي جيدعون ساعر تصريحات سانشيز، متهماً إياه بنقص الوعي التاريخي. في المقابل، رفضت الحكومة الإسبانية هذه الاتهامات، معتبرة أنها تشويه لمواقف سانشيز، التي تركز على وقف العنف في غزة ودعم حقوق الإنسان.

خلفية سانشيز السياسية والأيديولوجية

بيدرو سانشيز، الذي انضم إلى حزب العمال الاشتراكي الإسباني عام 1993، يمتلك مسيرة سياسية طويلة ومعقدة. بدأ كمستشار سياسي في البرلمان الأوروبي والأمم المتحدة خلال حرب كوسوفو، ثم دخل السياسة المحلية في مدريد عام 2004، وأصبح عضواً في البرلمان الإسباني عام 2009.

في 2014، تولى قيادة الحزب بشكل مفاجئ بعد استقالة زعيمه السابق، رغم محدودية شهرته آنذاك. واجه تحديات داخلية كبيرة، حيث أُطيح به من زعامة الحزب عام 2016 بسبب رفضه التعاون مع الحزب الشعبي المحافظ، لكنه عاد في 2017 بعد حملة انتخابية شعبية واسعة.

في يونيو 2018، أصبح رئيساً للوزراء بعد تصويت عدم ثقة ضد ماريانو راخوي، مشكلاً حكومة أقلية بدعم أحزاب يسارية وإقليمية.

حققت حكومة سانشيز نجاحات اقتصادية ملحوظة، حيث شهدت إسبانيا نمواً في الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاضاً في التضخم والبطالة، وتحسناً في سوق الأسهم.

سياساته التقدمية شملت رفع الحد الأدنى للأجور، تشكيل حكومة بأغلبية نسائية، واستقبال المهاجرين، مما عزز صورته كزعيم يساري يتحدى الاتجاهات اليمينية العالمية. كما عارض سياسات الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب، خاصة في قضايا الناتو والرسوم الجمركية.

السياق التاريخي والثقافي

يدعم موقف سانشيز من فلسطين عوامل تاريخية وثقافية. إسبانيا لم تشارك في الحرب العالمية الثانية، مما يعني أنها لم تشعر بالمسؤولية التاريخية تجاه إنشاء إسرائيل كما شعرت دول أوروبية أخرى بعد الهولوكوست.

هذا يمنح إسبانيا حرية أكبر في انتقاد السياسات الإسرائيلية. كما أن التزام سانشيز بالقيم الاشتراكية وحقوق الإنسان يعزز موقفه المناهض لما يراه انتهاكات إسرائيلية في غزة، مما يجعله رمزاً للدفاع عن العدالة في أوروبا، رغم الضغوط والانتقادات الدولية.

Mariam Hassan

مريم حسن كاتبة وصحفية متخصصة في الشأن الهندي ـ الباكستاني و جنوب شرق آسيا خبرة سنتين في مجال العمل الصحفي والإعلامي. أماكن العمل : داي نيوز الإخباري. أعمل على ترجمة وتحرير الأخبار والتقارير الصحفية المتنوعة. تحليل و دراسة التحولات السياسية والتهديدات الأمنية في آسيا وانعكاساتها على الأمن القومي المصري والعربي. متابعة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، وتحليل سياسات القوى الإقليمية وأنماط التحالفات بين جنوب آسيا والشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى