
في مشهد يختزل الأمل وسط الحصار، يواصل أسطول الصمود العالمي إبحاره عبر المتوسط، حاملاً على متنه أطباء ونشطاء وفنانين من مختلف أنحاء العالم، متحدين حول هدف واحد: كسر الحصار المفروض على غزة وإيصال صوت المحاصرين إلى العالم.
فقد انطلق الأسطول في يوليو 2025 حيث يستمد الأسطول إلهامه من محاولات سابقة، مثل أسطول الحرية إلى غزة، الذي واجه تحديات جسيمة في محاولاته لإيصال المساعدات. إلا أن أسطول الصمود العالمي يختلف بكونه جهداً أوسع وأكثر تنسيقاً، إذ يضم عشرات السفن الصغيرة المنطلقة من موانئ مختلفة عبر البحر المتوسط.
وتشمل أبرز الكيانات المشاركة في تأسيسه، تحالف أسطول الحرية، المسيرة العالمية إلى غزة، قافلة صمود المغرب العربي، وصمود نوسانتارا. وقد وظفت هذه المجموعات خبرات عقود طويلة من المقاومة السلمية الفلسطينية والبعثات التضامنية لإنجاح هذه المبادرة.
إن تأسيس أسطول الصمود العالمي يشكل دفعاً دولياً متجدداً ومكثفاً لمواجهة الأزمة الإنسانية في غزة والتشكيك في شرعية وأخلاقية استمرار الحصار.
محطات فارقة في مسار الأسطول
أبحر الأسطول رسمياً من برشلونة – إسبانيا في 31 أغسطس 2025، في محطة اعتُبرت حدثاً بارزاً في مساعيه لكسر الحصار على قطاع غزة. ويضم الأسطول أكثر من 50 سفينة، وما يزيد على 15 ألف مشارك من 44 دولة، ليصبح أكبر أسطول مدني منظم في التاريخ مخصص لغزة.
قبل الإبحار، جرت استعدادات واسعة في عدة دول، من بينها إيطاليا حيث جُهزت سفن للانضمام إلى القافلة الرئيسية. وقد صُممت الرحلة لتكون متعددة المراحل، حيث تتلاقى السفن القادمة من موانئ مختلفة عبر البحر المتوسط.
ومن أبرز محطات الرحلة وصول إحدى سفن الإغاثة إلى تونس في 7 سبتمبر 2025، حيث احتشد مئات المواطنين في الميناء لاستقبالها. شكّل هذا التوقف محطة رمزية للتضامن، إلى جانب كونه نقطة لوجستية مهمة قبل استئناف الإبحار نحو غزة.
تحمل السفن مساعدات إنسانية أساسية تشمل مستلزمات طبية وأدوية ومواد غذائية، إضافة إلى نشطاء ومتطوعين. ويحظى الأسطول بمتابعة عالمية دقيقة، حيث تنقل وسائل الإعلام تفاصيل رحلته والتحديات المحتملة التي قد تواجهه.
ويؤكد المشاركون التزامهم بالنهج السلمي، بهدف فتح ممر إنساني وجذب انتباه المجتمع الدولي إلى استمرار الحصار المفروض على غزة.
الوضع الراهن.. يصارعون الوقت
حتى 8 سبتمبر 2025، وصل أسطول الصمود العالمي إلى تونس في محطة حاسمة تسبق وصوله المرتقب إلى غزة. ومنذ مغادرته برشلونة في 31 أغسطس، حظي الأسطول بتغطية إعلامية واسعة ومتابعة دقيقة لمسار تقدمه.
عند وصوله إلى تونس، استُقبل الأسطول بترحيب شعبي كبير من مئات الداعمين الذين احتشدوا في الميناء.
تحمل السفن على متنها مساعدات إنسانية أساسية، تشمل المستلزمات الطبية والغذاء، موجهة إلى سكان غزة المحاصرين. ويستعد الأسطول الآن للمرحلة النهائية والأكثر صعوبة من رحلته.
ويؤكد المنظمون والمشاركون تمسكهم بكسر الحصار وإيصال المساعدات رغم المخاطر والعقبات المحتملة. كما يشددون على أن مهمتهم سلمية بالكامل، وأن هدفها هو إنشاء ممر إنساني ورفع مستوى الوعي العالمي بالكارثة الإنسانية المستمرة في غزة. ومن المتوقع أن يواجه الأسطول تحديات متزايدة وتدقيقًا مكثفاً من السلطات الإسرائيلية مع اقترابه من شواطئ القطاع.
الأطراف الفاعلة والمنظمات المشاركة
يمثل أسطول الصمود العالمي جهداً جماعياً تقوده مجموعة واسعة من الأفراد والمنظمات الملتزمة بالإغاثة الإنسانية والدفاع عن فلسطين. ويصف الأسطول نفسه بأنه مبادرة دولية مستقلة لا تتبع أي حكومة أو حزب سياسي.
يضم الأسطول مشاركين متنوعين من منظمين، عاملين إنسانيين، أطباء، فنانين، رجال دين، محامين، وبحّارة من 44 دولة.
ومن أبرز المنظمات المؤسسة:
- تحالف أسطول الحرية (FFC): تحالف عالمي عريق يكرّس جهوده لتحدي الحصار الإسرائيلي غير القانوني على غزة من خلال تحركات بحرية سلمية. كان له دور محوري في تنظيم أساطيل سابقة، ويقدم خبرة واسعة وشبكة ناشطين عالمية.
- المسيرة العالمية إلى غزة (GMTG): حركة مدنية، مستقلة وغير سياسية، نظمت تاريخيًا مبادرات برية للضغط على قادة العالم من أجل إنهاء الحصار ومعالجة الأزمة الإنسانية. مشاركتها تعكس توسع نطاق الجهود التضامنية.
- أسطول صمود المغرب العربي (قافلة صمود سابقاً): مبادرة إقليمية من شمال إفريقيا تركز على تنفيذ بعثات تضامنية وإيصال المساعدات، مما يبرز الدعم الإقليمي وتنوع مكونات الأسطول.
- صمود نوسانتارا: ائتلاف آخر يشارك في الجهود، ويمثل بعداً إضافياً للعالمية والتعددية في المبادرة.
كما يشارك في الأسطول شخصيات بارزة، منها الناشطة البيئية غريتا تونبرغ، التي تعزز مشاركتها البعد الأخلاقي والرمزي للمهمة و التي أسهمت مشاركتها في تعزيز الزخم الإعلامي والاهتمام الدولي بالقضية. إضافة إلى الناشط الفلسطيني سيف أبوكشك، المقيم في برشلونة وصاحب خبرة تمتد لأكثر من 20 عاماً في تنظيم التضامن مع فلسطين عبر أوروبا، والذي يعد من أبرز المنظمين.
يهدف هذا التنوع من الأفراد والمنظمات إلى تعزيز الرسالة الإنسانية ورفع الوعي الدولي بضرورة إنهاء الحصار على غزة.

جهود تتحدى الحكومات
يشكل أسطول الصمود العالمي فصلاً مهماً ومتجدداً في الجهود الدولية الرامية لمواجهة الأزمة الإنسانية في غزة وكسر الحصار الإسرائيلي. فمنذ انطلاقه في يوليو 2025، انبثق الأسطول من روح الصمود والمقاومة السلمية، وتطور سريعاً ليصبح حركة دولية منسقة واسعة النطاق.
رحلته، التي شهدت مؤخراً محطة تونس ومشاركة شخصيات بارزة مثل غريتا تونبرغ، تعكس اتساع التضامن الدولي والدعوة العاجلة لفتح ممرات إنسانية إلى غزة.
ويبرز تنوع المنظمات والأفراد المشاركين – بدءاً من تحالفات عريقة مثل تحالف أسطول الحرية وصولاً إلى مبادرات إقليمية – الطبيعة المتعددة الأبعاد لهذه الجهود. إن النهج السلمي الواضح للأسطول، مقروناً بهدفه في إيصال المساعدات ورفع الوعي العالمي، يجعله رمزاً قوياً للعمل الإنساني المدني.
ومع استعداد الأسطول لخوض مرحلته النهائية باتجاه غزة، تتجه أنظار العالم إلى متابعة هذا التحرك غير المسبوق وما قد يترتب عليه من آثار على الوضع الإنساني والمشهد السياسي في المنطقة. يظل أسطول الصمود العالمي شاهداً على التزام المجتمع المدني المستمر بالدفاع عن حقوق الإنسان وتخفيف المعاناة، رغم التحديات الجيوسياسية المعقدة.