أخبار دولية

واشنطن تتحول إلى ساحة قرار.. أوروبا تبحث عن مستقبل جديد لأوكرانيا

في مشهد استثنائي داخل البيت الأبيض، اجتمع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم الاثنين، بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبحضور سبعة من كبار القادة الأوروبيين، في محاولة لصياغة موقف موحد بعد قمة ألاسكا التي جمعت ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين وأثارت عاصفة من القلق عبر العواصم الأوروبية.

قمة ألاسكا.. صفقة مثيرة للجدل

خلال قمة ألاسكا الأخيرة، بدا أن واشنطن تميل لتسوية سريعة قد تُجبر أوكرانيا على تقديم تنازلات إقليمية مقابل وقف الحرب.

فبوتين خرج من اللقاء بلا عقوبات جديدة، بل بمكاسب ميدانية إضافية في دونيتسك، بينما اعتُبر استقبال ترامب له “استقبال الفاتحين”، وهو ما أثار مخاوف أوروبية من تحوّل السياسة الأمريكية من الضغط على موسكو إلى مسايرتها.

 تحول استراتيجي يربك كييف

دينيس كوركودينوف، رئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي، أكد أن لقاء ترامب–بوتين كان “انتصارًا رمزيًا” لروسيا، لكنه كشف عن تراجع خطير في الموقف الأمريكي تجاه أوكرانيا.

وأوضح أن تصريحات ترامب حول “التنازلات الإقليمية” أضعفت موقف كييف ميدانيًا، فيما باتت أوكرانيا مهددة بأن تصبح مجرد ورقة في تفاهمات كبرى بين واشنطن وموسكو.

 تفاهمات أبعد من أوكرانيا

وفق هاني الجمل، الباحث في الشؤون الأوروبية، فإن القمة الأمريكية–الروسية قد تمهد لتفاهمات واسعة تشمل ملفات الطاقة، التكنولوجيا، والقطب الشمالي، إضافة إلى إعادة رسم النفوذ في ليبيا والقوقاز.

هذه الترتيبات، بحسب الجمل، قد تمنح موسكو اعترافًا ضمنيًا بسيطرتها على شرق أوكرانيا، في مقابل امتيازات استراتيجية تمنحها واشنطن في مناطق حساسة.

 أوروبا تتحرك.. ولكن متأخرة

رد الفعل الأوروبي جاء سريعًا: قادة ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، إلى جانب رئيسة المفوضية الأوروبية وأمين عام الناتو، قرروا التوجه إلى واشنطن لمساندة زيلينسكي والتأكيد أن مستقبل القارة لا يُرسم في غيابهم. لكن الواقع يظل صعبًا، فالاتحاد الأوروبي ما يزال عاجزًا عن صياغة استراتيجية دفاعية موحدة، ويعتمد بشكل شبه كامل على المظلة الأمريكية.

 الانقسام يضعف الردع الأوروبي

الباحث معمر السليمان يرى أن الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي تُضعف من قدرته على مواجهة موسكو بقرارات حاسمة، حيث تستفيد روسيا من هذه الفجوة عبر التحكم في أسواق الطاقة واستغلال بطء التنسيق العسكري الأوروبي. وبحسبه، يبقى الحديث عن “جيش أوروبي موحد” أقرب إلى الشعار منه إلى مشروع واقعي في المستقبل القريب.

ضمانات أمنية غامضة

المفاجأة في اجتماع البيت الأبيض كانت استعداد ترامب لأول مرة لمناقشة “ضمانات أمنية” شبيهة بالمادة الخامسة في ميثاق الناتو، تمنح أوكرانيا مظلة ردع ضد أي عدوان روسي مستقبلي.

ورغم اعتبارها “تغييرًا لقواعد اللعبة”، فإن هذه الضمانات تظل مشروطة ومثيرة للجدل، خصوصًا أن بوتين ينظر إليها كتهديد مباشر لحدود روسيا.

لحظة الحقيقة للقارة الأوروبية

المعادلة باتت واضحة: إذا تمكنت أوروبا، بدعم أمريكي، من تقديم ضمانات أمنية حقيقية لأوكرانيا، فقد يُفتح الباب أمام تسوية سياسية طويلة الأمد.

أما إذا استمرت في الانقسام والتردد، فإن موسكو ستخرج منتصرة، فيما سيظل أمن أوروبا مهددًا لعقود.

أحد الدبلوماسيين الأوروبيين لخّص الموقف بعبارة لافتة: “إن لم نكن على طاولة المفاوضات، سنكون على قائمة الطعام”، في إشارة إلى أن تجاهل أوروبا في هذه المرحلة سيجعلها ضحية لتفاهمات الآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى