مقالات

ريم أبو الخير تكتب: من المصطلح إلى الميدان

سلسلة مقالات سياسية لغوية

في السياسة، لا تُطلَق الكلمات عبثًا… فكل مصطلح يختبئ خلفه تاريخ، وإيديولوجيا، ونوايا قد تُغيّر مسار الأحداث.
في هذه السلسلة، نُفتّش في المعاجم الفارسية والعربية، وننتقل من سطور القواميس إلى ساحات الخطاب السياسي، لنكشف كيف تُستخدم المصطلحات، وتُترجَم، وأحيانًا تُحرَّف، لتخدم واقعًا ما أو تُؤسّس لسلطة.

في كل مقال، نختار مصطلحًا سياسيًا مشتركًا بين الفارسية والعربية نحلّله لغويًا، نشرحه ونرصد استخدامه في الإعلام والسياسة، ونقارن كيف يُفهَم في كل ثقافة.

من اللغة… إلى السُلطة.

من المعنى… إلى الميدان.

الحرب المركّبة (الحرب الهجينة) بين النظرية والتطبيق

في الآونة الأخيرة، برز مصطلح (جنگ ترکیبی)  (Jang-e Tarkibi)  أي ( الحرب المركّبة) أو (الحرب الهجينة) في الخطاب الرسمي الإيراني، في الصحافة الإيرانية منذ أواخر عام 2022 (آبان 1401)  ولا سيما بعد استخدامه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، وجاء أول استخدام لافت لهذا المصطلح  في خطاب ألقاه خلال مراسم تخريج طلاب جامعات الضبّاط التابعة للقوات المسلّحة الإيرانية ، حيث أشار إلى أن إيران  تواجه حربا يصطلح عليها اسم “الحرب المركبة”، حيث قال:

“ما تواجهه إيران اليوم ليس حربًا عسكرية فقط، بل حرب مركّبة، تشمل الإعلام، الاقتصاد، الأمن، الثقافة، والسياسة، إنها حرب مركّبة بكل أبعادها.”

ویرجع أصل مصطلح (جنگ ترکیبی) في الفارسية إلى الاسمين (جنگ)  أي (الحرب)، و (ترکیبی) أي (المركّبة) أو (ترکیبی) من الفعل العربي (تركيب)  + ياء النسبة الفارسية.

وظهر المصطلح في التقارير العسكرية كنقل مباشر للمفهوم الغربي Hybrid Warfare، حيث كان أول استخدام له في دراسات مراكز الأبحاث الدفاعية الاستراتيجية الإيرانية في نهاية عام 2012 م تقريبا، ولكن شاع استخدامه الحرب السورية، والتي لوحظ خلالها تكرار أنماط التداخل بين الميلشيات، العمليات الإعلامية، والضغط الاقتصادي.

ومن نماذج الحروب الهجينة البارزة الحرب الروسية الأوكرانية، حيث استخدمت روسيا عدة أدوات مدمجة لتحقيق أهدافها دون إعلان حرب شاملة في البداية، والحرب الإسرائيلية الإيرانية، حتى من قبل التصعيد ووقع حرب ال 12 يوم الأخيرة، والذي يُعد نموذجًا متكاملًا لحرب هجينة بين قوتين إقليميتين.

ما هي الحرب المركبة أو الهجينة ؟

هي نوع من الحروب الحديثة فهي حرب مختلطة أو مشتركة  تمزج بين أدوات الحرب السياسية و النظامية وغير النظامية، والحرب الافتراضية (عبر منصات الإنترنت المختلفة)، والحرب الإعلامية، والدبلوماسية، وحرب الدعاوي أمام المحاكم الدولية، الهجوم الثقافي، خلق الصراع الإثني والديني، التدخل في الشئون الداخلية، تعطيل النسيج الديموغرافي، الهجرة أو التهجير.

والهدف منها الحاق وإحداث أكبر قدر من الضرر للدولة المستهدفة، ليس فقط عن طريق هزيمة العدو عسكريًا، بل زعزعة استقراره السياسي والاقتصادي والنفسي، وغالبًا دون إعلان حرب رسمية ، أو حتى دون أن تُعرف الجهة الفاعلة بشكل واضح.

أول من وضع وابتكر مفهوم هذه الحرب هو “فرانك هوفمان”، مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق والخبير في الشئون العسكرية الاستراتيجية، والذي تخطت خبرته ال43 عاما حيث أعد دراسة حولها بعنوان ” الصراع في القرن الحادي والعشرين: صعود الحرب الهجينة” وقدمها لمعهد بوتوماك لدراسات السياسة في فيرجينيا.

الحرب الهجينة.. وأدواتها

  • العسكرية التقليدية

من خلال استخدام القوات النظامية المدربة والمجهزة، عمليات عسكرية (جوية، أو بحرية) محدودة لتوجيه رسائل أو تحقيق أهداف استراتيجية، تدخلات عسكرية أو قانونية تحت مسمى (الحماية) أو (مكافحة الإرهاب).

  • الميليشيات والقوات غير النظامية

عن طريق دعم جماعات محلية موالية أو متحالفة أو ما يُعرف (الأذرع) أو (الوكلاء)، دعم حركات التحرر والحركات الإنفصالية، وتمويلهم وتدريبهم، وتسليحهم، والدعم الاستخباراتي.

  • النفوذ السياسي والديني

من خلال استثمار “المرجعيات الدينية”، للتغلل في المجتمعات لتحقيق الحشد الشعبي، استخدام شبكات من المدارس، المراكز الثقافية لنشر النفوذ العقائدي أو السياسي، أو من خلال دعم قادة سياسيين موالين للدولة.

  • الهجمات السيبرانية

عن طريق اختراق الأنظمة والمواقع الحكومية، مواقع التصويت،  شل مؤسسات الدولة أو التشويش عليها، وتدمير البنى التحتية الرقمية، كتعطيل شبكات الكهرباء،مياه، البنوك، أو تدمير بيانات حساسة أو تسريبها.

  • الحرب الإعلامية والنفسية

من خلال إنشاء قنوات موجهة بلغة الدولة المستهدفة وثقافتها، ترويج لرسائل المقاومة والمظلومية تجاه الدولة المعادية، ونشر الشائعات، والأخبار المزيفة، استهداف المؤسسات الرسمية والرموز الوطنية، لزعزعة الثقة وتضخيم الأزمات لكسر المعنويات وتقويضها، استخدام وسائل التواصل للترويج لأفكارها وخطابها وتضليل الخصوم وإثارة البلبلة من خلال ما يُعرف بالذباب الإلكتروني، أو اللجان الإلكترونية.

  • الأدوات الاقتصادية

عن طريق فرض العقوبات، السيطرة الجزئية على موانئ استراتيجية، السيطرة على موارد الطاقة، التلاعب بالأسواق، وايجاد شبكات وهمية لتمويل العمليات في الخارج، التهريب للنفط أو المعادن لتجاوز العقوبات.

  • الحرب القانونية والدبلوماسية

من خلال توظيف القانون الدولي كأداة للضغط، المفاوضات كأداة لشراء الوقت ورفع العقوبات، واستثمار أدوات “المقاومة” كغطاء سياسي للوجود العسكري، استغلال فشل الدولة في بعض الدول لشرعنة وجود ميليشياتها، ادّعاء حماية أقلية معينة لتبرير التدخل.

الحرب التركيبية هي واقع استراتيجي معاصر يستخدم على نطاق واسع، فهي ليست مجرد نظرية عسكرية، بل  أشد وطأة فالجندي في الحرب التقليدية يحمل سلاحًا، أما في هذه الحرب فقد يحمل حاسوبًا، ميكروفونًا، أو حتى مجرد تغريدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى