الصين تكتشف رواسب ضخمة لمعدن نادر في منغوليا الداخلية وسط مخاوف من التجسس

في تطور علمي وصناعي بارز، أعلن فريق من الجيولوجيين الصينيين عن اكتشاف رواسب كبيرة لمعدن أرضي نادر لم يكن معروفًا سابقًا في منطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم شمالي الصين.
يُعد هذا الاكتشاف خطوة هامة تعزز مكانة الصين في سوق المعادن النادرة، التي تُعتبر حيوية لصناعات التكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك تصنيع محركات السيارات الكهربائية مثل تلك التي تنتجها شركة تسلا.
تفاصيل الاكتشاف
تم العثور على الرواسب في الجزء الأوسط من الجسم الخام الرئيسي بمنجم “بايان أوبو”، وهو أكبر منجم للمعادن الأرضية النادرة في العالم.
الباحثون من جامعة الصين لعلوم الأرض في ووهان ومعهد المسح الجيولوجي في منغوليا الداخلية أكدوا أن المعدن الجديد، الذي أطلقت عليه الجمعية الدولية للمعادن اسم “هوانغهويتي-(إن دي)”، هو معدن كربونات غني بعنصر النيوديميوم
يُعرف النيوديميوم باسم “معدن المغناطيس” بفضل خصائصه المغناطيسية القوية، التي تجعله مكونًا أساسيًا في تصنيع المغناطيسات فائقة القوة المستخدمة في محركات السيارات الكهربائية، توربينات الرياح البحرية، الروبوتات، ومعدات الدفاع مثل الطائرات المقاتلة والرادارات.
يُتوقع أن يعزز هذا الاكتشاف قدرة الصين على تلبية الطلب المتزايد على المعادن النادرة، حيث تهيمن البلاد حاليًا على حوالي 70% من الإنتاج العالمي و35% من الاحتياطيات العالمية لهذه المواد.
يأتي هذا في وقت تسعى فيه دول مثل الولايات المتحدة وأوروبا لتقليل الاعتماد على الصين من خلال تطوير مصادر بديلة أو إعادة تدوير المعادن.
مخاوف من التجسس وتهديدات الأمن القومي
تزامن الإعلان عن الاكتشاف مع تحذيرات من وزارة أمن الدولة الصينية يوم الجمعة 18 يوليو 2025، التي اتهمت أجهزة مخابرات أجنبية بالسعي لسرقة مواد مرتبطة بالمعادن النادرة.
وأوضحت الوزارة، في بيان عبر تطبيق “وي تشات”، أن هذه الأجهزة، بالتعاون مع “مخالفين داخليين”، حاولت الاستيلاء على هذه الموارد الحيوية، مما يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي الصيني.
لم تُسمِ الوزارة أي دولة بعينها، لكنها أشارت إلى محاولات للالتفاف على قيود التصدير الصينية عبر تزوير بيانات الشحن ونقل المعادن عبر دول ثالثة مثل تايلاند والمكسيك.
وكانت وكالة رويترز قد ذكرت أن كميات كبيرة من معدن الأنتيمون، المستخدم في البطاريات والرقائق الإلكترونية، تم شحنها إلى الولايات المتحدة عبر دول وسيطة بعد حظر الصين تصدير هذه المواد إلى أمريكا في أبريل 2025.
وتأتي هذه الاتهامات في سياق تصاعد التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، حيث فرضت إدارة الرئيس دونالد ترامب رسومًا جمركية على الصادرات الصينية، مما دفع بكين إلى تقييد تصدير سبعة معادن نادرة ثقيلة، بما في ذلك النيوديميوم، الضرورية للصناعات الدفاعية والتكنولوجية.
أهمية المعادن النادرة
تُعد المعادن الأرضية النادرة، مثل النيوديميوم، مكونات حاسمة في العديد من الصناعات المتقدمة. فهي تُستخدم في:
– السيارات الكهربائية: لإنتاج مغناطيسات قوية لمحركات الجر، حيث تحتوي السيارة الكهربائية الواحدة على مغناطيسات متعددة تعتمد على هذه المعادن.
– الطاقة المتجددة: في توربينات الرياح البحرية لتوليد الكهرباء بكفاءة.
– الصناعات الدفاعية: في أنظمة التوجيه الصاروخي، الرادارات، والغواصات.
– الإلكترونيات: في الهواتف الذكية، أجهزة الاستشعار الطبية، والرقائق الإلكترونية.
تهيمن الصين على هذا القطاع بفضل استثماراتها الضخمة، القوانين البيئية المرنة، والدعم الحكومي، مما جعل منافسة الدول الغربية صعبة. ومع ذلك، أثارت هذه الهيمنة مخاوف عالمية بشأن أمن سلاسل التوريد، خاصة بعد أن استخدمت الصين المعادن النادرة كأداة ضغط سياسي، مثل قطع صادراتها إلى اليابان عام 2010 خلال نزاع إقليمي.
تداعيات الاكتشاف
يُعزز اكتشاف “هوانغهويتي-(إن دي)” موقع الصين كقوة رائدة في سوق المعادن النادرة، مما قد يزيد من نفوذها في الصناعات التكنولوجية العالمية.
ومع تزايد الطلب على السيارات الكهربائية، حيث تُعد شركات مثل تسلا وBYD الصينية من أبرز المستفيدين، يُتوقع أن يسهم هذا الاكتشاف في استقرار إمدادات المواد الخام الحيوية.
لكن الاتهامات بالتجسس تُبرز التحديات الأمنية المرتبطة بهذا القطاع، حيث تسعى الصين إلى حماية مواردها عبر فرض قيود صارمة على التصدير ومراقبة تحركات الخبراء الصينيين، بما في ذلك مطالبتهم بتسليم جوازات سفرهم لمنع السفر غير المصرح به.
يُعد هذا الاكتشاف خطوة استراتيجية للصين، لكنه يُعزز في الوقت ذاته التوترات الجيوسياسية حول السيطرة على الموارد الحيوية في عالم يزداد اعتماده على التكنولوجيا المتقدمة.