
في وقت كانت فيه سوريا تلتقط أنفاسها بعد سقوط نظام بشار الأسد، برز على الساحة فاعل جديد يحمل بذور التهديد الجهادي مجددًا.
جماعة “سرايا أنصار السنة”، التي ظهرت في المناطق الريفية من وسط سوريا، تمثل نموذجًا تقليديًا ومتجددًا في آنٍ معًا، لجماعات ما بعد الصراع التي تستثمر في الفوضى، الهويات الطائفية، وغياب العدالة الانتقالية.
الانشقاق عن السائد الجهادي
تشكلت الجماعة وفقًا لما تُظهره بياناتها العلنية كنتيجة “لخيانة” الهيئة الجهادية الكبرى في الشمال السوري – هيئة تحرير الشام – لما تسميه “المنهج السلفي الجهادي”.
ويبدو أن “سرايا أنصار السنة” تسعى إلى ملء فراغ إيديولوجي وعسكري تركته تلك الجماعات مع انخراطها في تسويات سياسية وتحولها إلى سلطة أمر واقع.
هذا التمرد الجهادي لا يستهدف النظام السابق فحسب، بل يتجه نحو تفكيك أي مشروع وطني أو انتقالي لا يتبنى رؤيتهم المتشددة للدولة والمجتمع.
تكتيك الذئاب المنفردة… عودة إلى النموذج العراقي
بنية الجماعة القائمة على خلايا صغيرة لا مركزية تُعيد إلى الأذهان تكتيكات تنظيم القاعدة في العراق خلال العقد الأول من الألفية. هذه البنية تعقّد من جهود تعقبها أمنيًا، وتمنحها مرونة في الانتشار والاستهداف، لا سيما في البيئات الريفية والمهمشة.
في السياق السوري، حيث تفتقر الحكومة الانتقالية إلى السيطرة الكاملة على الأرض، ويغيب التنسيق الأمني الموحد، يشكل هذا النمط تحديًا استراتيجيًا، خاصة مع تصاعد مؤشرات العنف الطائفي.
العنف الطائفي كوقود استراتيجي
تبني الجماعة لهجمات ضد العلويين والشيعة والدروز ليس مجرد تعبير عن عقيدة طائفية، بل يمثل أداة مقصودة لإعادة تأجيج خطوط الانقسام الأهلي.
فبعد سنوات من الصراع الطائفي، تسعى الجماعة إلى استثمار رواسب الخوف وعدم الثقة لإعادة إنتاج بيئة النزاع، ما من شأنه تقويض محاولات المصالحة الوطنية أو إعادة اللحمة المجتمعية.
تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق، ومجزرة أرزة في ريف حماة، ليستا مجرد عمليات إرهابية؛ بل رسائل سياسية موجهة إلى الداخل السوري مفادها: “سوريا لن تهنأ بالاستقرار”.
تهديد مزدوج للانتقال السياسي
يبدو أن التهديد الذي تمثله “سرايا أنصار السنة” ليس فقط أمنيًا، بل سياسيًا أيضًا. فبتكفيرها العلني للحكومة الانتقالية، واستهدافها المتكرر لرموز الطيف المجتمعي السوري، تعمل الجماعة على ضرب شرعية المرحلة الانتقالية، وتقديم نفسها كبديل “شرعي” متمسك بالحل الجهادي.
هذه المعضلة تضع صناع القرار السوريين والدوليين أمام اختبار معقد: كيف يمكن مواجهة هذا الخطر دون الانزلاق مجددًا إلى استقطابات حادة أو استنساخ أدوات القمع القديمة؟
يُعيد ظهور “سرايا أنصار السنة” التأكيد على أن نهاية الأنظمة السلطوية لا تعني تلقائيًا بداية الاستقرار. فالفجوات الأمنية، وتهميش بعض المناطق، وغياب العدالة الانتقالية، كلها أرض خصبة لنمو الجماعات المتطرفة.
إنه تحذير واضح: في غياب مصالحة حقيقية، ومؤسسات أمنية محترفة، وخطاب وطني جامع، قد يتحول الأمل بسوريا جديدة إلى كابوس قديم بلباس جديد.