مقالات

الدكتورة ريم أبو الخير تكب: مبدأ انتش واجري

من فترة ظهرت أغنية شعبية لحد مغمور مأخوذة من أغنية عالمية لمايكل جاكسون، بعد ما حط التاتش بتاعه عليها وبقت “انتش واجري” والحقيقة إن اسم الأغنية نفسه والفكرة كانت معبرة جدا يعني الأغنية مسروقة والألحان وممن أغنية مشهورة جدا ومع ذلك الأخ ما تكسفش عادي، بل إن الأغنية اشتهرت جدا وحققت مشاهدات عالية ودا أمر تاني مثير للدهشة والجدل! يعني الراجل اتكلم عن نفسه وعن حالته بدون ما يقصد.

فن مسروق وترند محروق

ومن الأغنية للتليفزيون، طلت علينا الموهبة الفذة “الإعلامية” “الصغيرة”، مع”الإعلامية المخضرمة” ومحاولات التنجيم والتلميع بعد مشاكل الفنانة ” الصغيرة ” مع طليقها الفنان (أبو شامة جنان) – وتعمد إظهار كم هي “فنانة شاملة” وشخصية “متعددة المواهب”، وما الغرض والفائدة من تعمد ظهورها بهذه الصورة المثالية و”المختلفة” على حد قول الإعلامية مقدمة البرنامج ؟!

واستعرضت ” الإعلامية المخضرمة” مواهب ” الإعلامية الفنانة” الجبارة في الفن والإعلام وكيف استطاعت أن تجمع بين دراستها للإعلام والسياسة، ومواهبها الفنية في الرسم والتصميم، وعرضت لها لقطات وهي تمارس “موهبتها” وهي بتمشي الفرشاة على لوحة كاملة (والتي سنعود لهامرة أخرى)، وقام الإعداد “المحترف” بعرض لوحة فنية لإمرأة مكبلة وعلى إيديها طيور في محاولة منها لفك قيودها وتحررها زي الطير، وأثناء عرض اللوحة سُألت “الفنانة” عن معنى اللوحة واسمها أو بتعبر عن إيه؟، وسط هتافات من زملائها الضيوف ” أووه .. خطيرة يا مها” والديزانيات فظيييعة”

اللوحة دي اسمها إية يا مها؟

  • “والله أنا كنت برسم فيلنجز، كنت بحاول الأقي مشاعر يعني…!!”

دا كان رد ” الفنانة ” التي ظهر عليها التوتر وبلعت ريقها بصعوبة، ولعبت في شعرها وقعدت ترمش بسرعة (من علامات التوتر في لغة الجسد وعلم النفس)، ولم تستطع الأجابة بشكل واضح منمق وسريع في حين أنه من المفترض أن تسرد وتسهب في شرح أعمالها وكأي فنان أعماله تعبر عن روحه،  وعن مشاعره،  في  حين كانت الفنانة “تحاول.. تلاقي مشاعر” ؟!”

صدمة ما بعد الحلقة

بعد الحلقة اكتشفنا إن اللوحة التي تم عرضها والفنانة كانت تحاول التعبير من خلالها عن مشاعرها، مسروقة!  مسروقة؟ أينعم من فنانة دنماركية والتي أعلنت الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي وإنها حاولت التواصل مع البرنامج والإعداد وفشلت – أو أنهم تهربوا – ، ومن هنا صارت ترند مواقع التواصل وعادت مقولة “غادة والي فكرة والفكرة لا تموت”.

سقطة فنية أم سقوط إعلامي؟

لكن، هل يا ترى كانت تلك السقطة الوحيدة للفنانة في الحلقة؟

أحب أقول لحضراتكم “لا”، في سقطات أخرى بالحلقة، قد تكون مرت على المشاهدين مرور الكرام، نعود للوحة سابقة الذكر، التي تم عرضها على الشاشة في لقطة سريعة أثناء ممارسة “الفنانة” موهبتها وهي تمسك بالفرشاة، اللوحة واضحة بملامحها الفارسية، هذا فن إيراني يا “فنانة” من ملامح والحواجب وملابس الشخصية باللوحة، ونقوش السجاد، يظهر لنا أنه ملامح الفن في العصر القاجاري، وموجود نماذج من هذه اللوحات بنفس الملامح في متحف “جاير اندرسون” أو  “بيت الكريتلية”  الغرفة التي تم تجهيزها على الطراز الفارسي وكل مقتنياتها من إيران التي قام بجمعها الطبيب الإنجليزي، هذا غير إن هذا الفن وشكل اللوحة موجود حاليًا في إيران وهناك طلاب بكليات الفنون في إيران بتنفيذ هذا الفن، وهناك فنانة إيرانية تعرضه على إحدى المنصات وتقوم في اللوحات بدمج الرسومات الإيرانية القديمة مع قطع من السجاد تقوم بقصها، وتعرض مراحل اللوحة وتقوم ببيعها، فمن الممكن تكون الفنانة قامت بشراء لوحة أو لوحات منها.

ولكن لجهل “الفنانة” وغباءها (كما وصفتها الفنانة الدنماركية) اعتقدت أن كل المصريين مثلها (طبعا لأن كل يرى الناس بعين طبعه)، ولسرعة عرض المشهد اعتقدت أن أحدا لن ينتبه وأنه لا يوجد بين المشاهدين من هو متخصص.

السقطة الثانية للفنانة (أو الثالثة بعد سرقتها لوحات الفنانة الدنماركية، ونسبة أعمال فنية إيرانية لنفسها)، هي أنها من المفترض ” إعلامية”،  والتي لم تستطع أن تقول جملة واضحة تشرح أعمالها وكأنها تفاجأت بالسؤال! (على رأي الراحل سعيد صالح أنا عايز جملة مفيدة)، ومن المفروض أن لديك مهارات لكيفية التعامل  في المواقف المختلفة.

شجاعة الجهل!

هل  كل ما سبق هي شجاعة الجهل التي تحدث عنها دكتور أحمد خالد توفيق؟!

وكل ما تم ذكره سابقا، يصل بنا إننا حرفيًا في زمن “انتش واجري”، في زمن” البجاحة”، يعني حضرتك لم تكتف إنك سارقة لوحات، نسبتي شغل ومجهود أخرون لنفسك بمنتهى البساطة، لا “بجحة” ظهرت في برنامج يذاع في العالم أجمع، يعني حرفيًا (متآمر وأهبل).

الحقيقة إننا عايشين في وسط ” ناس بجحة “، وأصبح هذا هو الوضع “العادي”.

“العادي”، شغلك يتسرق وإذا اشتكيت يأتي الرد بمنتهى البساطة “متحبكهاش.. مجراش حاجة .. هو مش بالظبط يعني أهو مغير فيه”.

“العادي”، تتكلم مع شخص فيسرق فكرك سواء في شغلك أو في أي مكان.

“العادي”، شخص غير متخصص يسرق فكرة لتدريب أو محاضرات في مكان حكومي معتمد، ويقدمها أون لاين (بالعملة الصعبة)، والأدهي أنه عنده الشجاعة أنه يحاول التواصل معك!

“العادي”، إنك تتفاجئ برسالتك العلمية سواء ماجستير أو دكتوراه مسروقة أو (مقتبسة) سواء المنهجية أو حتى بالفصول والتقسيمة والاسم ولكن كتر خيرهم يقوموا بالتطبيق على أي مصدر  أخر، دون ذكر الأصل، سواء في مصادر أو دراسات سابقة ويتغني ويتشدق ببجاحة أنه أول من قام بهذا العمل، وتجد من يصفق لهم!

“العادي”، شخص يكلمك يطلب ترسل له رسالتك العلمية بالحرف (عشان يعمل زيها)!

عادي تكتشف إن أساتذة كبيرة معروفة شغلها وأبحاثها تتسرق، وتتقدم كإنتاج علمي وتتقبل وتُجاز؟!

“العادي”، إن الطلاب تظهر على الهواء تشتكي وتنوح من صعوبة الامتحانات وصعوبة اللجان والمراقبة “مسابوناش نغش”!!

نحن نعيش في زمن أفكارك تُسرق، ترجمتك تُسرق ، وإذا استطاعوا سرقت نَفسك وحياتك لن يتوانوا!

والطامة الكبرى إن مثل هذه الشخصيات “بتتلمع”، بيتصقف لها، في اللي بيشجعها ويقف معاها، متصدرين المشهد، على كل المستويات، وصاحب الحق إذا يتكلم يقال عنهم “أعداء النجاح”!.

ومن الأمور التي ساعدت في انتشار هذه الظواهر وتفشيها،

أولا “السوشيال ميديا” والتي أطلقت عليها في مقال سابق “الفيروس الذي يتغذى على العقول”، والرغبة الجامحة في الشهرة الزائفة، والتي سهلت عملية “القص واللصق” من هنا وهناك، والتي تحولت من مواقع للتواصل لمواقع للسرقة والنحت، وثانيا “الإعلام المفتوح” بلا رقابة، وبدون التحقق من هوية الشخصيات، ومؤهلاتهم العلمية قبل الظهور ومخاطبة شعوب وأجيال، من أول مقدمي البرامج للضيوف، ولا عزاء للمستمع أو المشاهد.

الحقيقة أنا لا ألقي باللوم على تلك الشخصيات وحدها،  أنا ألوم على الإعلام الذي “يلمع” كل “متسلق”…

لا يوجد رقابة على أي شئ، صفحات منتشرة مليئة بألقاب وتوصيفات وهمية لشخصيات مزيفة، الكل أصبح إعلامي، ودكتور، وباحث استراتيجي في الشأن (كذا وكذا…)، وقد يكون الشخص لا زال طالب لم يتخرج بعد، أو قرأ له بعض الكتب في تخصص ما، والأمثلة والنماذج كثيرة لا حصر لها.

ألوم على كل ولي أمر وصل إنسان جاهل مُدّعي لكرسي ومنصب لا يستحقه، ويملكه نفوس وشئون آخرين قد يكونوا أكفأ منه، وهو على علم بهذا، ألوم على نظام تعليم يعتمد على جمع وحصد الدرجات مثلما أطلق عليه (جمع واكسب)، ألوم على نظام وظيفي يعتمد على تأدية عدد سنوات للحصول على ترقية وكأنها (فترة حكم يؤديها بلا مجهود وبلا إنجازات واقعية) وفي النهاية يتساوى الجميع في عدد السنوات، والمناصب بل إن أصحاب الكفاءات وأصحاب الضمير يهمشون.

أفيقوا يرحمكم الله، سمعتنا أصبحت في الحضيض والأجيال القادمة هي الضحية، يكفي أن في أجيال ضاعت أحلامها وبلغت من اليأس أشده، مع ذلك  لازالت تحارب وتحاول على أمل – وإن كان ضعيفا- أن يتغير الحال، وأن ينصلح حال الأجيال القادمة.

وتذكروا ” مَنْ أعانَ ظالِمًا لِيُدْحِضَ بباطِلِهِ حقًّا ، فَقَدْ بَرِئَتْ منه ذمَّةُ اللهِ ورسولِهِ”

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى