تقرير: محادثات سورية إسرائيلية غير مسبوقة برعاية واشنطن… بداية تحوّل أم تكتيك عابر؟

داي نيوز – فريق التحرير
في تطور لافت يعكس تحوّلًا محتملاً في موازين الشرق الأوسط، أكدت مصادر سورية وإسرائيلية وأميركية بدء محادثات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، بوساطة الولايات المتحدة، بهدف تهدئة التوترات على الحدود وإرساء تفاهمات أمنية.
وتأتي هذه الاتصالات، التي وصفها مراقبون بأنها الأهم منذ أكثر من عقد، بينما لا تزال الغارات الإسرائيلية على جنوب سوريا مستمرة وتثير مخاوف من نية إسرائيل تكريس وجود عسكري طويل الأمد داخل الأراضي السورية.
أهداف متواضعة وتوافق ضد إيران
يبدو أن الشرع، الرئيس السوري الجديد، وجد في رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شريكًا ظرفيًا، بحكم العداء المشترك تجاه إيران.
فرغم عقود العداء بين دمشق وتل أبيب، يتشارك الطرفان اليوم القلق من نفوذ الجماعات المدعومة إيرانيًا داخل سوريا.
وقال توماس باراك، مبعوث ترامب إلى سوريا، إن واشنطن شجعت هذه المحادثات ودعت إلى اتفاق عدم اعتداء كخطوة أولى نحو إصلاح العلاقات.
لكن أربعة مصادر مطلعة أوضحوا أن دمشق لم تُبدِ حتى اللحظة استعدادًا للانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، معتبرةً أن الأجندة الحالية أكثر تواضعًا وتقتصر على وقف التصعيد وضمان عدم الانزلاق إلى مواجهة شاملة.
عودة محتملة لاتفاق 1974
في موازاة ذلك، أعلن وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني استعداد بلاده لإحياء اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، الذي أنشأ منطقة عازلة تخضع لرقابة الأمم المتحدة في هضبة الجولان.
ويُعد هذا الاتفاق – الذي جرى تعليق العمل به بعد سقوط نظام الأسد – أحد أهم ركائز الهدوء الهش بين البلدين لعقود، رغم عدم تحوله يومًا إلى معاهدة سلام كاملة.
مع ذلك، يشير مراقبون إلى أن مجرد طرح عودة الاتفاق يُعد مؤشرًا على انفتاح سوري غير مسبوق مقارنةً بخطاب العداء المطلق في عهد الأسد.
إشارات أميركية مشجعة
في خطوة لافتة، رفعت إدارة ترامب الاثنين الماضي تصنيف “هيئة تحرير الشام”، التي كان يقودها الشرع قبل وصوله إلى السلطة، من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، كما ألغت جزءًا كبيرًا من العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا.
وتفسر هذه الخطوات على أنها محاولة أميركية لتشجيع دمشق على المضي قدمًا في التفاهمات مع إسرائيل والحد من نفوذ طهران.
مخاوف إسرائيلية وشكوك عميقة
رغم هذه الإشارات الإيجابية، ما زالت الشكوك الإسرائيلية قوية. فقد حذّر مسؤولون في تل أبيب مرارًا من أن الشرع قد يسعى لتأسيس نظام إسلامي معادٍ لإسرائيل، رغم محاولاته إظهار البراغماتية.
وبحسب الحاخام أبراهام كوبر، الذي زار دمشق الشهر الماضي، لم يطرح الشرع قضية الجولان في اجتماعهما، ما اعتُبر رسالة تهدئة أولية. لكنه شدد في المقابل على ضرورة ضمان دعم شعبي لأي اتفاق مع إسرائيل.
جزء تحليلي: تكتيك تكيفي أم مسار استراتيجي؟
يرى محللون أن هذه المحادثات ليست بالضرورة بداية سلام شامل، لكنها مؤشر على تقاطع مصالح ظرفي بين خصمين تاريخيين.
يقول مهند حاج علي، الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط:
يبدو أن هناك تفاهمًا أمنيًا يتشكل، لكن على المستوى السياسي لم نرَ بعد مبادرات كبيرة. قد يكون ما يجري تكتيكًا لكسب الوقت وإدارة المخاطر، أكثر منه استراتيجية طويلة الأمد.
ويضيف خبراء أن الوضع الإقليمي – بما فيه انشغال إيران بجبهات أخرى، ورغبة واشنطن في تحييد الجبهات الفرعية قبل الانتخابات الرئاسية – ربما يخلق نافذة ضيقة لهكذا تفاهمات.
أما معاذ مصطفى، رئيس “فرقة العمل السورية للطوارئ”، فقال بعد لقائه الشرع إن الرئيس السوري أبدى رفضًا واضحًا لفكرة الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، لكنه أقر بإمكانية التوصل إلى صيغة تعاون محدودة مع إسرائيل، مشروطة بضمان قبول داخلي.
مع استمرار الغارات الإسرائيلية والتوغلات البرية في الجنوب، يبقى السؤال مفتوحًا:
هل تمثل هذه المحادثات بداية مسار لتطبيع تدريجي؟ أم أنها مجرد هدنة مؤقتة ستنهار عند أول اختبار حقيقي للثقة؟
حتى اللحظة، تبدو الإجابة غير واضحة، في انتظار ما ستسفر عنه الأسابيع المقبلة من مفاوضات وتجاذبات إقليمية ودولية.
المصدر: نيويورك تايمز