مقالات

“كَورنبَّاش”.. رواية عن “المحتل” لوجيهة عبد الرحمن

برمزية غير تقليدية وليست مسبوقة، تضع الروائية الكردية السورية وجيهة عبد الرحمن جانكو، قرّاءها في مواجهة “المحتل الرمزي والواقعي” في روايتها الجديدة “كَورنبَّاش”، الصادرة عن “دار اسكرايب للنشر والتوزيع” في العاصمة المصرية القاهرة.

الرواية مكونة من 312 صفحة من القطع المتوسط ورسمت لوحة غلافها النحاتة جيهان عبد الرحمن جانكو، تعكس في عنوانها رمزاً مهماً في الثقافة الكردية هو حيوان حفار القبور (حقيقي وليس من المخيال)، الذي ينبش القبور ويدخل إليها ليلتهم لحم الميت حتى يغدو هيكلاً عظمياً..

وهذا الأمر تشبهه المؤلفة بممارسات النظام التركي لدى احتلاله مدينة عفرين، من تغيير ديموغرافي لكافة البُنى “حتى فقد المكان ملامحه الكردية الأصلية”، بحسب تعبيرها.

تقول مؤلفة العمل وجيهة عبد الرحمن، إن “كتابة رواية بالرغم من كونها نزهة مليئة بالمخاطر والإرهاصات النفسية إلا أنها نزهة ممتعة؛ فعادة ما أقرر مسبقاً فكرة الرواية التي أرغب في كتابتها، بمعنى أنني أضع لها منهجاً، حيث أستلهم الفكرة من حدث أو يكون هناك حافز قوي للكتابة في موضوع معين”.

وتؤكد، في تصريح صحفي، أن “ما حدث معي هنا هو أنني لدى تصفحي الإنترنت قرأتُ خبراُ مفاده أن الأتراك ينبشون القبور، مقبرة أفيستا خابور كانت من ضمن المقابر التي تم جرفها لتحويلها إلى سوق للماشية.

على الفور لمعت فكرة كتابة في رأسي، ولكن كيف ممكن أبدأ بها؟ إذ دوماً لديّ مشكلة مع الكلمات المفتاحية للرواية، استغرقني الأمر قرابة السنتين؛ كانت رواية كورنبَّاش تنضج خلال تلك الفترة على نار هادئة، استغرقت ثلاث سنوات حتى أنهيتها”.

وتشير وجيهة إلى أن “موضوع الرواية مؤرِّق لدى السماع به، كيف الحال وأنا أكتبه، كانت التحديات النفسية كثيرة، إذ إنني طوال الوقت كنت أعيش مع الموتى، العيش بجانب مقبرة أمر مؤلم، كيف وأنهم كانوا يعيشون معي في بيتي، يجلسون على أريكتي، يتناولون الطعام معي على ذات المائدة، هذه هي عادة شخوص رواياتي، يسكنون عالمي ويحتلونني كلياً”.

وتستطرد قائلة: “لكن التحدي الأكبر كان هو أنني يجب أن أكتب فصلاً عن الشهيدة أفيستا خابور، من أجل الأمانة الأدبية كان لزاماً عليّ الوصول إلى أهلها، لم أرغب في كتابة قصتها بشكل افتراضي، رحتُ أبحث عن ذويها في أنحاء العالم.. بعد ستة أشهر، حصلتُ على هاتف والدها عن طريق صديقة لي أوكلت إليها ذات المهمة، تحدثتُ معه حول فكرة الرواية، في البداية بدا مستغرباً، لكن بعد أن تعمَّقّتُ في التفاصيل أظهر الامتنان وبدا سعيداً بأن اسم ابنته الشهيدة سيُخلّد في كتاب”.

وتنوه وجيهة عبد الرحمن إلى صعوبة التفكير في خلق توازن بين الرسالة المراد إيصالها وبين الحبطة المشوقة لحظة الكتابة، موضحة “سيبدو الأمر كمن يزن الذهب في ميزان بقّال، لأنني لحظة الكتابة لا أفكر بذلك، أكتب فحسب، إذ إنني سابقاً لديّ منهج، أحاول الالتزام به ولكن ذلك لا يحدث غالباُ، لديّ تجارب من خلال رواياتي السابقة، لكن قدر الإمكان أحاول التماسك، لأنني بعد الانتهاء منها أعود إليها عدة مرّات للقيام ببعض التعديلات، كالإضافة والحذف من أجل عدم الإخلال بتوازن الرسالة على حساب الحبكة أو العكس”.

وفي ختام تصريحها، تقول وجيهة عبد الرحمن: “كل ما أتمناه من القارئ هو التعمُّق في قراءة هذه الرواية ليخرج بأسئلة، حتى وإن كانت الرواية تتضمن الكثير الكثير من الأسئلة، لكي يشعر بأن ما يحدث للكرد ليس مجرد قصص يسمعون بها، إذ الواقع أعمق من ذلك وأغرب من أن يُختصر في مجرد إشارات بلهاء على مواقع التواصل الاجتماعي، لأنَّ رواية كورنباش مساحة للتأمل في الهوية والذاكرة وتقاطع المصائر، أتمنى أن يأخذ منها القارئ الشعور بالانتماء وإدراك هشاشة النفس البشرية إزاء الموت.. إنها جدلية الحياة والموت، أرغب من القارئ أن يعيش الأحداث، لا قراءتها فحسب”.

جدير ذكره أن وجيهة عبد الرحمن أديبة سورية مقيمة في ألمانيا وناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة، وسبق أن أصدرت عدة روايات، منها (العبور الخامس)، (الزفير الحار)، (لالين)، (كعب عال)، فضلاً عن عدة مجموعات قصصية منها (نداء اللازورد)، (أيام فيما بعد)، (أم لوهم البياض)، (الإفريز)، (أسئلة الحواس الخمس)، وغيرها من الأعمال الأدبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى