إطار جديد للمفاوضات النووية في روما: عرض إيراني وخلافات حول التخصيب

في 23 مايو 2025، شهدت العاصمة الإيطالية روما الجولة الخامسة من المفاوضات النووية غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، والتي وصفها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنها “الأكثر احترافية”، بينما اعتبرها الجانب الأمريكي “بناءة”.
استمرت هذه الجولة، التي جرت بوساطة عمانية، ثلاث ساعات داخل مقر السفارة العمانية، وهدفت إلى صياغة إطار عمل لاتفاق جديد حول البرنامج النووي الإيراني.
تفاصيل المفاوضات
وفقًا لمصادر مطلعة نقلتها صحيفة “وول ستريت جورنال”، ركز الجانبان خلال المحادثات على وضع معايير أساسية لاتفاق نووي جديد، مع تأجيل مناقشة التفاصيل الدقيقة إلى جولات لاحقة.
الهدف الرئيسي، كما أوضح مسؤول أمريكي كبير، هو التوصل إلى تفاهم مشترك حول النقاط الأساسية التي ستشكل أساسًا لاتفاق نهائي.
هذا النهج يشبه إلى حد ما الاتفاق المؤقت الذي تم التوصل إليه عام 2013، والذي مهد للاتفاق النووي الشامل في 2015 بين إيران وإدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
ذلك الاتفاق قدم تخفيفًا جزئيًا للعقوبات مقابل قيود على البرنامج النووي الإيراني. ومع ذلك، لا توجد مؤشرات حالية على إدراج خطوات لبناء الثقة، مثل تلك التي شملها اتفاق 2013، في الإطار الجديد.
ريتشارد نيفيو، الخبير الذي شارك في مفاوضات سابقة مع إيران خلال إدارتي أوباما وبايدن، أشار إلى أن الاتفاق الإطاري قد يكون خطوة فعالة نحو صياغة اتفاق طويل الأمد، شريطة وضوح الأهداف المشتركة بين الأطراف.
العرض الإيراني
قدم الوفد الإيراني اقتراحًا مبتكرًا يتمثل في إنشاء “اتحاد نووي ثلاثي” تشارك فيه إيران ودول عربية، مع استثمارات أمريكية رمزية.
يتضمن الاقتراح قيام إيران بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات منخفضة (أقل من 3.5%)، وهي النسبة التي حددها اتفاق 2015 والمناسبة لإنتاج الوقود لمحطات الطاقة النووية، ثم تصدير اليورانيوم المخصب إلى دول عربية لأغراض مدنية.
هذا الاقتراح، بحسب مسؤولين إيرانيين، يهدف إلى التغلب على اعتراضات الولايات المتحدة على استمرار تخصيب اليورانيوم داخل إيران، مع ضمان استمرار برنامجها النووي السلمي.
يُنظر إلى هذا المقترح على أنه تنازل من طهران، إذ يتيح لدول الجوار الاستفادة من تقنياتها النووية ويجعلها شريكة في العملية.
نقطة الخلاف الرئيسية: تخصيب اليورانيوم
تظل مسألة تخصيب اليورانيوم النقطة الأكثر إثارة للجدل. الولايات المتحدة، ممثلة بالمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، تصر على سياسة “صفر تخصيب”، معتبرة أن أي قدرة تخصيب داخل إيران غير مقبولة. وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أكد في تصريحات حديثة أن إيران يجب أن تستورد اليورانيوم المخصب من الخارج، على غرار دول أخرى، بدلاً من تخصيبه محليًا.
في المقابل، أكد عباس عراقجي أن حق إيران في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية “غير قابل للتفاوض”، مشددًا على أن هذا الحق مدعوم باتفاق 2015.
وأشار إلى أن إيران مستعدة لقبول قيود مؤقتة على مستويات التخصيب ضمن إطار اتفاق يضمن رفع العقوبات.
حاليًا، تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهي نسبة قريبة من 90% اللازمة لإنتاج أسلحة نووية، مما يثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها.
ومع ذلك، تعبر طهران عن استعدادها لخفض هذه النسبة إلى 3.5%، كما كان متفقًا في 2015، إذا تم التوصل إلى اتفاق شامل.
أجواء المفاوضات وردود الفعل
أُجريت المحادثات في أجواء وصفها الطرفان بالإيجابية، رغم التحديات. عقب انتهاء الجولة، أكد عراقجي أن مواقف إيران “واضحة وثابتة”، مشيرًا إلى تمسك بلاده بحقها في التخصيب.
من جهته، أشار الوفد الأمريكي إلى أن جولات إضافية ستُعقد لاحقًا لمواصلة النقاش حول النقاط العالقة. يُشار إلى أن هذه المفاوضات تأتي في سياق توترات إقليمية ودولية، بما في ذلك تهديدات أوروبية بتفعيل آلية العقوبات الأممية إذا فشلت المحادثات، وقلق إسرائيلي من احتمال تقديم الولايات المتحدة تنازلات.
السياق التاريخي والتوقعات
تُعد هذه المفاوضات استمرارًا لجولات سابقة بدأت في أبريل 2025 في مسقط، وتلتها جولات في روما ومسقط مرة أخرى.
تشير تقارير إلى أن الجانبين يسعيان إلى تجنب التصعيد العسكري، مع وجود ضغوط من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحقيق إنجاز دبلوماسي.
ومع ذلك، يحذر محللون من أن الطريق لا يزال مليئًا بالتحديات، خاصة مع إصرار كل طرف على شروطه.
تُظهر الجولة الخامسة في روما تقدمًا حذرًا نحو إطار اتفاق نووي جديد، مع اقتراح إيراني مبتكر قد يغير ديناميكيات التفاوض.
لكن الخلاف حول تخصيب اليورانيوم يبقى العقبة الأبرز. مع استمرار المحادثات، يبقى المسار الدبلوماسي مفتوحًا، لكن نجاحه يعتمد على قدرة الطرفين على التوصل إلى حل وسط يحفظ مصالحهما.