مقالات

من يقف مع من في الصراع بين الهند وباكستان؟

تعود جذور التوتر بين الهند وباكستان إلى عام 1947، عندما نالت الهند استقلالها عن بريطانيا، مما أدى إلى تقسيم شبه القارة الهندية ونشوء نزاع مستمر حول إقليم كشمير.

هذا الصراع، الذي شهد مراحل من التصعيد والتهدئة، عاد إلى الواجهة بقوة إثر هجوم إرهابي في منطقة بهلغام بكشمير الخاضعة للسيطرة الهندية.

اتهمت نيودلهي إسلام أباد بالمسؤولية عن الهجوم، مما دفع الهند إلى اتخاذ خطوات تصعيدية، بما في ذلك تعليق اتفاقية مياه السند، إلى جانب تبادل التهديدات العسكرية بين الطرفين.

تتجاوز هذه الأزمة حدود النزاع الثنائي لتصبح قضية ذات أبعاد عالمية، خاصة أن كلا البلدين يمتلكان ترسانات نووية، مما يجعل أي مواجهة عسكرية محتملة تهديداً للاستقرار الإقليمي والدولي.

تأتي هذه الأزمة في سياق عالمي يشهد تحولات جذرية، حيث ينتقل النظام الدولي من هيمنة أحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة إلى نظام متعدد الأقطاب يتنافس فيه لاعبون كبار مثل الصين وروسيا.

 السياق العالمي للأزمة

تتزامن الأزمة الهندية-الباكستانية مع تنافس متصاعد بين الولايات المتحدة والصين في مجالات التجارة والتكنولوجيا، إلى جانب توترات مستمرة بين واشنطن وموسكو، وإن كانت قد خفت حدتها نسبياً مع تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة.

تسعى القوى العظمى إلى تعزيز تحالفاتها الاستراتيجية مع دول إقليمية قوية، مثل الهند وباكستان، لتعزيز نفوذها في النظام العالمي الجديد.

من منظور جيوسياسي، تُعتبر الأزمة بين الهند وباكستان أكثر من مجرد نزاع إقليمي، إذ إنها تعكس ديناميكيات التنافس بين القوى العالمية.

فالولايات المتحدة تدعم الهند كحليف استراتيجي في مواجهة الصين، بينما تعزز الصين علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع باكستان. روسيا، بدورها، تحاول الحفاظ على توازن دبلوماسي بين الطرفين.

 تعدد الأقطاب وتعقيدات النظام الدولي

في عالم متعدد الأقطاب، لم يعد الانقسام الأيديولوجي أو الجغرافي يهيمن على العلاقات الدولية كما كان الحال خلال الحرب الباردة.

اليوم، تتشكل التحالفات بناءً على عوامل مثل الاقتصاد، التكنولوجيا، الأمن، الديمغرافيا، والثقافة. على عكس الحرب الباردة، التي شهدت انقساماً واضحاً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، فإن العالم الحالي يتميز بتحالفات مرنة ومتشابكة.

على سبيل المثال، تتعاون فيتنام مع الولايات المتحدة عسكرياً ضد الصين، لكنها تدعم روسيا في قضية أوكرانيا. كذلك، تدعم تركيا أوكرانيا في حربها ضد روسيا، بينما تلعب دور الوسيط بين البلدين في قضايا مثل اتفاقية الحبوب.

دول الخليج، من جانبها، تحافظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة، لكنها توقع اتفاقيات اقتصادية مهمة مع الصين في مجالات مثل الطاقة.

هذا التعقيد يجعل الأزمة الهندية-الباكستانية جزءاً من عملية إعادة تشكيل النظام العالمي. إذا تصاعدت الأزمة إلى حرب، فقد تلعب دوراً حاسماً في تحديد مراكز القوى في العالم متعدد الأقطاب.

 مواقف القوى العظمى

– الولايات المتحدة: تدعو إلى التهدئة والحوار، لكنها تميل إلى دعم الهند كجزء من استراتيجيتها لمواجهة الصين.

تعزز واشنطن علاقاتها التجارية مع نيودلهي، وترى فيها بديلاً محتملاً للصين في سلاسل التوريد العالمية. تدعم الولايات المتحدة مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية.

الصين: تقف إلى جانب باكستان، حيث استثمرت مليارات الدولارات في الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، وهو جزء أساسي من مبادرة الحزام والطريق. في الوقت نفسه، تحرص الصين على الحفاظ على علاقات تجارية مع الهند، مما يضعها في موقف دقيق.

حرب محتملة قد تهدد استثماراتها الضخمة وصورتها كقوة سلمية. الصين أدانت الهجوم في بهلغام، لكنها دعت إلى تحقيق محايد بدلاً من تأييد اتهامات الهند لباكستان.

روسيا: تتبنى موقفاً محايداً وتعرض التوسط بين الهند وباكستان، حفاظاً على علاقاتها التاريخية مع الهند وعلاقاتها المتنامية مع باكستان.

على الرغم من تقاربها الاستراتيجي مع الصين، تتجنب روسيا الانحياز الصريح لباكستان للحفاظ على توازنها الجيوسياسي.

الصين وكشمير

تلعب الصين دوراً معقداً في الأزمة، إذ تُعد جزءاً من نزاع كشمير بسبب سيطرتها على جزء من الإقليم. في عام 1963، نقلت باكستان جزءاً من أراضي كشمير إلى الصين، مما أثار غضب الهند وأدى إلى توتر العلاقات بين بكين ونيودلهي.

هذا التاريخ يعيق قدرة الصين على لعب دور الوسيط في الأزمة.

كما أن الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، الذي يمر عبر مناطق متنازع عليها في كشمير، يثير استياء الهند.

تداعيات محتملة

تُعد الصين الطرف الأكثر عرضة للخسارة في حال اندلاع حرب بين الهند وباكستان، استثماراتها الضخمة في باكستان، خاصة في الممر الاقتصادي، معرضة للخطر.

كما أن حرب نووية محتملة قد تضر بصورتها كقوة سلمية وتعرقل مصالحها التجارية مع الهند، التي تُعد سوقاً مهماً للصادرات الصينية.

في الوقت نفسه، لا ترغب القوى العظمى، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، في حرب كبرى بين دولتين نوويتين، نظراً لتداعياتها غير المتوقعة.

تظهر الأزمة بين الهند وباكستان تعقيدات النظام العالمي الجديد، حيث تتشابك المصالح الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية. إن إدارة هذه الأزمة ستكون اختباراً لقدرة القوى العالمية على احتواء التوترات في عالم يتجه نحو تعدد الأقطاب.

الدبلوماسية تبقى الخيار الأمثل لتجنب تصعيد قد يعيد تشكيل توازنات القوى العالمية بطريقة غير متوقعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى