عودة نتنياهو للحرب على غزة.. مصلحة شخصية أم حسابات سياسية؟

بعد أسابيع من التلميحات الإسرائيلية حول إمكانية استئناف القتال في غزة، تحولت التوقعات إلى واقع فجأة صباح الثلاثاء، حيث شنت القوات الإسرائيلية هجمات جوية مكثفة أدت إلى مقتل أكثر من 416 شخصًا، معظمهم من النساء والأطفال، وفقًا لمصادر فلسطينية.
ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يكن راضيًا عن شروط اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم في يناير/كانون الثاني الماضي، والذي سمح بفترة هدوء مؤقتة، حيث لطالما أعرب عن استيائه من بنوده.
وبدا واضحًا أن الهجوم الإسرائيلي الجديد كان يهدف إلى فرض شروط تفاوضية مختلفة من خلال استخدام القوة العسكرية كوسيلة ضغط.
في خطاب تلفزيوني قصير مساء الثلاثاء، قال نتنياهو:
هذه مجرد البداية.. من الآن فصاعدًا، ستتحرك إسرائيل ضد حماس بكثافة متزايدة، ومن الآن فصاعدًا، لن تُعقد المفاوضات إلا تحت النيران
مما يشير إلى استراتيجية جديدة في التعامل مع الملف الفلسطيني.
حسابات سياسية داخلية أم ضرورات أمنية؟
لكن الهجوم الأخير أثار جدلاً واسعًا، إذ يرى معارضو نتنياهو أن قراره لم يكن مدفوعًا فقط بالاعتبارات الأمنية، بل جاء ضمن حسابات سياسية داخلية تهدف إلى تعزيز موقعه في السلطة.
وقال إيتامار يار، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق: “لدى نتنياهو مصلحة شخصية في استمرار الحرب.
ليس لديه أي شعور بضرورة وقفها”، مما يعكس شكوكًا متزايدة حول دوافعه الحقيقية وراء التصعيد العسكري الأخير.
كما أن توقيت الهجوم جاء بعد ضغوط مكثفة من الحلفاء اليمينيين المتطرفين في حكومته، الذين عارضوا وقف إطلاق النار.
فقد أعلن وزير الأمن القومي السابق إيتمار بن غفير انسحابه من الائتلاف الحكومي احتجاجًا على الاتفاق، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالقيام بالمثل.
لكن بعد الضربات الأخيرة، تغير المشهد السياسي، إذ أعلن بن غفير عودته إلى حكومة نتنياهو، مما عزز موقف الأخير سياسيًا.
إعادة ترتيب المفاوضات بشروط جديدة
كان الاتفاق الأصلي الموقع في يناير/كانون الثاني ينص على إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس على مراحل، مقابل الإفراج عن سجناء فلسطينيين، إضافة إلى هدنة طويلة الأمد يمكن أن تؤدي إلى انسحاب إسرائيلي كامل ووقف دائم للقتال.
لكن بدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رفض نتنياهو إنهاء الحرب وسحب القوات، وسعى بدلاً من ذلك إلى فرض شروط جديدة، تتضمن إطلاق سراح عدد كبير من الرهائن في مقابل تمديد الهدنة، دون أي التزام بوقف الحرب بشكل دائم، وهو ما رفضته حماس.
وبحسب مسؤولين إسرائيليين، فإن الهجوم العسكري قد يتوقف إذا وافقت حماس على هذه الشروط، لكنهم أكدوا أيضًا استعدادهم لمواصلة التصعيد إذا لم تستجب الحركة المسلحة لمطالبهم.
بينما يواصل الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية، عبّرت عائلات الرهائن المحتجزين لدى حماس عن غضبها، محذرةً من أن القصف المكثف يعرض حياة ذويهم للخطر.
ويعتقد أن نحو 25 رهينة لا يزالون على قيد الحياة في غزة، ومع تجدد القتال، تتزايد المخاوف من أن حياتهم قد تكون مهددة نتيجة للهجمات الإسرائيلية العشوائية.
انعكاسات على الضفة الغربية والمنطقة
تصعيد القتال في غزة قد يؤدي أيضًا إلى زيادة التوترات في الضفة الغربية المحتلة، التي شهدت فترة من الهدوء النسبي مقارنة بغزة.
وفي هذا السياق، دعت حماس الفلسطينيين هناك إلى الانتفاض ردًا على القصف الإسرائيلي، مما ينذر باندلاع موجة جديدة من العنف في المنطقة.
نتنياهو ينفي الاتهامات
رغم الجدل المتصاعد حول دوافعه، وصف نتنياهو المزاعم بأنه يستخدم الحرب لأغراض سياسية بأنها “أكاذيب”.
لكنه لم يقدم تبريرات مقنعة للمعارضين الذين يرون أن عودته إلى الحرب جاءت لأسباب تتعلق ببقائه في السلطة، أكثر من كونها ضرورة أمنية حتمية.
استمرار القصف وارتفاع أعداد الضحايا
مع صباح الأربعاء، لم تهدأ الأوضاع، إذ جددت إسرائيل غاراتها الجوية على مختلف مناطق غزة، مستهدفةً شمال القطاع وشرقه، وكذلك المناطق الجنوبية.
ووسط الدمار المتزايد، انتشرت صور جثث الأطفال والنساء، بينما انحنت الأمهات والآباء فوق أبنائهم القتلى في مشاهد باتت مألوفة لسكان غزة منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من 15 شهرًا.
إلى أين يتجه التصعيد؟
في ظل عدم وجود أفق لحل سياسي قريب، واستمرار المواقف المتصلبة من الجانبين، يبقى التصعيد العسكري سيد الموقف، مما يثير مخاوف من أن تتحول هذه الجولة من الحرب إلى فصل جديد طويل من العنف والمعاناة في غزة والمنطقة بأسرها.