مقالات

جسر الثقافة والإبداع.. مصر تحتضن بصمت اللغة الإندونيسية

بقلم/ الكاتبة الإندونيسية ديفي فيرهانا

لا يعرف الكثيرون أن مصر ليست فقط موطن حضارة عريقة، بل أيضًا حاضنة لمواهب شابة حققت نجاحات على مستوى العالم. والمذهل أكثر أن عددًا كبيرًا من هذه المواهب اختار أن يرعى اللغة الإندونيسية ويطوّرها؛ لغة تبعد آلاف الكيلومترات عن موطنهم، لكنها قريبة جدًا من قلوبهم.

منذ عام 2020، تتصدّر مصر جوائز مهرجان هانداي الإندونيسي السنوي، وهو فعالية تنظمها الحكومة الإندونيسية عبر وزارة التربية والتعليم الأساسي والثانوي، لإبراز مهارات اللغة والأدب الإندونيسي لدى المتعلمين الأجانب. ويجمع المهرجان مئات دارسي اللغة الإندونيسية حول العالم للتنافس في مجالات تتطلب الإبداع والطلاقة اللغوية وفهم الثقافة الإندونيسية.

 

وخلال الفترة 2020–2024، حافظ المشاركون المصريون على اكتساحهم جوائز أغلب الفروع: المراسل اللغوي، إلقاء الشعر، الخطابة، فنون “البانتون”، الحكي، الكوميديا الارتجالية، الغناء، وموسيقى الشعر. وهذه الإنجازات ليست مجرد قائمة فوز، بل هي تعبير عن محبة صادقة وجهد مثابر في التعلم.

وتظهر هذه المحبة بوضوح في نتاجهم الإبداعي؛ فـمريم أشرف كتبت قصيدة عن استقلال إندونيسيا بلغت قوتها حدّ اعتمادها مرجعًا لمشاركات عديدة في مسابقات الإلقاء بيوم الاستقلال في 17 أغسطس من كل عام. أما محمود حمزاوي فقد ألّف أنطولوجيا لقصص الأطفال باللغة الإندونيسية، مضيفًا رصيدًا مهمًا لأدب الطفل الإندونيسي. وهناك أيضًا إسلام رجب الذي أصبح معلمًا للغة الإندونيسية للناطقين بالعربية ومتحدثًا في المؤتمر الثاني عشر للغة الإندونيسية.

وفي مجال الموسيقى، يقوم كريم مهدي بترجمة وأداء الأغاني الإندونيسية بالعربية، ما يوسّع حضور الموسيقى الإندونيسية في الفضاء الثقافي العربي. بينما ابتكرت نهى غريب أحمد، الشغوفة بإندونيسيا، تطبيق MNI Gamelan Jawa لتعليم آلة الغاميلان مستخدمة تقنية الواقع المعزّز، بهدف نشر الفن والفلسفة الإندونيسية في الشرق الأوسط.

يُطرح السؤال هنا: ما سر براعة وإبداع هؤلاء المتعلمين المصريين؟

الجواب يكمن أساسًا في طبيعة المجتمع المصري نفسه؛ فالمصريون محبون للتجربة والاكتشاف، عطاشى للمعرفة، ومبدعون في التعبير عمّا يتعلمونه. بالنسبة لهم، اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل مساحة للّعب والإبداع وفهم الثقافات الأخرى بعمق.

وقد تزايد هذا الشغف بعد اعتماد اللغة الإندونيسية برنامجًا جامعيًا في جامعة الأزهر، إحدى أعرق وأهم الجامعات الإسلامية في العالم.

وقد ارتفع الإقبال عليه عامًا بعد عام، حتى أصبحت مصر البلد الأول عالميًا من حيث عدد دارسي اللغة الإندونيسية، في تقدير يعكس مكانة هذه اللغة كجسر للمعرفة والدبلوماسية الثقافية. ولا شك أن العلاقات الدبلوماسية المتجذرة بين إندونيسيا ومصر عززت هذا المناخ التعليمي.

ومع هذه الديناميكية اللافتة، بات من الطبيعي أن تُعَدّ مصر واحدة من أكثر الدول قدرة على تطوير مجال تعليم اللغة الإندونيسية للناطقين بغيرها (BIPA). فالمصريون لا يكتفون بتعلم اللغة، بل يستوعبون قيم الثقافة والفنون وحتى الدعابة الإندونيسية، ثم يحولونها إلى أعمال مبتكرة تُغني الشعبين معًا.

وإذا استمر هذا المسار، فلن يكون مستبعدًا أن تبزغ أعمال أدبية وفنية ومحتوى إبداعي ملهم عن إندونيسيا من أنامل عشاق لغتها في مصر. فهذا البلد الذي أنجب المفكرين والفنانين أثبت أن المسافة الجغرافية لا تقف أبدًا في وجه محبة لغة ما؛ يكفي امتلاك الفضول والشجاعة على التجربة ومساحة للإبداع — وهذه جميعها متوفرة في مصر.

الكاتبة ديفي فيرهانا

ديفي فيرهانا ناشطة ومتطوعة في نشر اللغة والأدب الإندونيسي لغير الناطقين بها، ومنهم المصريون. وهي مؤسسة مبادرة BIPA Pertiwi، منصة مجانية لتعليم اللغة الإندونيسية للأجانب. ويشارك في برامجها حاليًا أكثر من 170 متعلمًا من 16 دولة.

Mariam Hassan

مريم حسن كاتبة وصحفية متخصصة في الشأن الهندي ـ الباكستاني و جنوب شرق آسيا خبرة سنتين في مجال العمل الصحفي والإعلامي. أماكن العمل : داي نيوز الإخباري. أعمل على ترجمة وتحرير الأخبار والتقارير الصحفية المتنوعة. تحليل و دراسة التحولات السياسية والتهديدات الأمنية في آسيا وانعكاساتها على الأمن القومي المصري والعربي. متابعة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، وتحليل سياسات القوى الإقليمية وأنماط التحالفات بين جنوب آسيا والشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى