
أصبح توقيت تناول الدواء أحد العوامل الحاسمة في فعاليته وأمان استخدامه، رغم أن الكثير من الأدوية يمكن تناولها قبل الطعام أو بعده دون مضاعفات واضحة. إذ يؤثر امتلاء المعدة مباشرة في امتصاص العقار داخل الجسم، وبالتالي في نتائجه العلاجية، ما يجعل اختيار الوقت المناسب جزءاً لا يقل أهمية عن الجرعة نفسها.
وتشير أبحاث حديثة إلى أن بعض الأدوية، خاصة علاجات ضغط الدم، قد تعمل بشكل أفضل عند تناولها في ساعات محددة تتوافق مع نمط النوم والاستيقاظ لدى الشخص. فالأشخاص الذين يستيقظون مبكراً تقل لديهم مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية بنسبة تصل إلى 26% عند تناول جرعاتهم في الصباح، بينما قد ترتفع المخاطر إذا تم تناولها مساءً بشكل عكس نمطهم البيولوجي.
ومع تعدد التعليمات الخاصة بكل دواء وتعقيدها، يبرز “العلاج بالتوقيت الزمني” كاتجاه طبي جديد يدرس تأثير الساعة البيولوجية في فعالية الأدوية، ويحدد ما إذا كان من الأفضل تناول الدواء قبل الطعام أو معه أو بعده.
أدوية يجب تناولها على معدة فارغة
يغيّر الطعام من بيئة الجهاز الهضمي، من درجة الحموضة إلى سرعة تفريغ المعدة، وهو ما يؤثر في توافر بعض الأدوية ويقلل امتصاصها. ولهذا يُنصح بتناول مجموعة من الأدوية قبل الطعام بـ 30 إلى 60 دقيقة، أو بعده بساعتين إلى ثلاث ساعات.
وتوضح الصيدلانية عائشة بشير أن بعض الأدوية تحتاج إلى معدة خالية تماماً حتى لا ترتبط بمكونات الطعام أو يتباطأ امتصاصها.
ومن أبرز الأمثلة أدوية الـ”بيسفوسفونات” الخاصة بعلاج هشاشة العظام، والتي تشدد هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية (NHS) على ضرورة تناولها على معدة فارغة مع كوب ماء كامل، والبقاء في وضع مستقيم لمدة نصف ساعة لتجنب مشكلات الهضم. فحتى كميات بسيطة من الكالسيوم قد تمنع امتصاص الدواء تقريباً بشكل كامل.
كما يوصى بتناول “أوميبرازول” قبل الطعام بنصف ساعة، ويمكن لمن يعانون من حرقة المساء تناوله قبل العشاء لضمان فعاليته أثناء النوم. كذلك تحتاج أدوية الغدة الدرقية مثل “ليفوثيروكسين” معدة فارغة، إذ تشير الدراسات إلى انخفاض امتصاصها بنسبة تصل إلى 60% عند تناولها مع الطعام.
أدوية يفضل تناولها مع الطعام
في المقابل، هناك أدوية يتطلب تأثيرها وجود الطعام لحماية المعدة من التهيّج أو لتقليل الآثار الجانبية كالدوار والغثيان.
ويُعد مسكن “أيبوبروفين” المثال الأشهر، إذ قد يسبب تناوله على معدة فارغة—خصوصاً بشكل متكرر—قرحة في المعدة أو ضرراً في الكبد والكلى. ويحذر الأطباء من أن سوء استخدام مضادات الالتهاب غير الستيرويدية قد يؤدي في بعض الحالات إلى التهاب الصفاق، وهو من الحالات الطبية الخطيرة.
كما يساعد الطعام على حماية بعض الأدوية من التحلل داخل المعدة قبل وصولها للأمعاء، حيث يتم الامتصاص الفعلي.
أدوية تؤخذ مساء أو قبل النوم
وتشير الدراسات إلى أن الستاتينات قصيرة المفعول، مثل “لوفاستاتين”، تحقق أفضل نتيجة عند تناولها ليلاً، لأن الجسم يزيد إنتاج الكوليسترول في ساعات الليل. أما الأنواع الأطول مفعولاً مثل “أتورفاستاتين”، فيمكن تناولها في أي وقت دون تأثير كبير على فعاليتها.
كما كشفت أبحاث في جامعة دندي أن فعالية بعض أدوية ضغط الدم تتأثر بالنمط الزمني للفرد. وقد تسبب الجرعة الأولى من مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين أو حاصرات بيتا دواراً خفيفاً، لذلك يُفضل البدء بتناولها قبل النوم لضمان راحة وأمان أكبر للمريض.



