أخبار دوليةتقارير

تايوان تشعل شرق آسيا: كيف تحول خلاف الصين واليابان إلى أخطر مواجهة منذ عقود؟

كتبت: هدير البحيري

في واحدة من أكثر لحظات شرق آسيا حساسية منذ سنوات، انفجرت شرارة أزمة دبلوماسية حادة بين الصين واليابان بعد تصريحات مفاجئة لرئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي، ربطت فيها أمن بلادها بمصير تايوان.

التصريحات التي وصفتها بكين بـ”التهديد العلني باستخدام القوة”، أشعلت سلسلة من الإجراءات المتبادلة، بين تحذيرات أمنية، واستدعاءات دبلوماسية، وإشارات اقتصادية مقلقة، وصولًا إلى نشاط عسكري لافت في المياه المتنازع عليها.

وبينما تحاول طوكيو احتواء العاصفة عبر قنوات دبلوماسية، تبدو بكين مصممة على رفع الكلفة السياسية لأي محاولة لإعادة تعريف موقع اليابان في معادلة مضيق تايوان، في مشهد في مشهد يعكس جذور الصراعات التاريخية بين القوتين في شرق آسيا.

جذور الأزمة.. تايوان تتحول إلى نقطة اشتعال مباشرة

بدأت الأزمة في 7 نوفمبر عندما صرحت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي أمام البرلمان بأن استخدام الصين للقوة ضد تايوان “قد يُعتبر تهديدًا لوجود اليابان”، ما يفتح الباب قانونيًا لتفعيل مبدأ “الدفاع الذاتي الجماعي” وفق قانون الأمن الصادر عام 2015. هذه الجملة وحدها كانت كافية لإشعال أسوأ توتر بين طوكيو وبكين منذ سنوات، إذ تعتبر الصين تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها وترى أن أي حديث حولها يمس “سيادتها” مباشرة.

كما أن اليابان لم يسبق أن لوحت علنًا بإمكانية الرد العسكري، ما جعل التصريح يُقرأ في بكين باعتباره تحولًا جذريًا في عقيدتها الأمنية.

ووصفت صحيفة “الشعب اليومية”، لسان الحزب الشيوعي، كلام تاكايتشي بأنه “أول تهديد ياباني باستخدام القوة منذ 1945”.

ردود الفعل الصينية واليابانية

وجاء الرد الصيني سريعًا وحادًا، إذ استدعت وزارة الخارجية السفير الياباني في بكين وقدمت احتجاجًا رسميًا شديد اللهجة، مطالبةً تاكايتشي بالتراجع الفوري عن تصريحاتها.

وحذرت بكين من أن أي تدخل ياباني في قضية تايوان سيُقابل بـ”هزيمة عسكرية ساحقة”.

وفي المقابل، أكدت طوكيو أن تصريحات رئيسة الوزراء جاءت في إطار “فرضيات أمنية”، وأن سياستها تجاه تايوان لم تتغير، لكن الصين تُصر على أن ما جرى يعكس صعود تيار يميني محافظ يحاول إعادة صياغة الدور الأمني لليابان.

التصعيد لم يبق عند حدود التصريحات، إذ اتخذت الدولتان خطوات ميدانية عكست خطورة الوضع.

فقد أصدرت اليابان تحذيرًا غير مسبوق لرعاياها المقيمين في الصين دعتهم فيه إلى تجنب الأماكن المزدحمة، والتنقل ضمن مجموعات، وتوخي الحذر من أي تحركات مشبوهة.

وربطت طوكيو هذه التحذيرات بارتفاع “المشاعر المناهضة لليابان” داخل الصين عقب الأزمة.

وعلى الجانب الآخر، أصدرت بكين تحذيرًا مماثلًا لمواطنيها حثت فيه على عدم السفر إلى اليابان، مطالبةً الموجودين هناك بالالتزام بأقصى درجات الحيطة، في خطوة تحمل بعدًا اقتصاديًا يستهدف قطاع السياحة الياباني.

ومع تصاعد التوتر السياسي، انتقل المشهد إلى الميدان البحري، حيث أرسلت الصين سفنًا مسلحة تابعة لخفر السواحل إلى محيط جزر سينكاكو/دياويو المتنازع عليها.

واعتبرت طوكيو هذه التحركات “استفزازًا محسوبًا” يرتبط مباشرة بأزمة تصريحات تاكايتشي. ورغم صغر مساحة الجزر وعدم وجود سكان فيها، فإن موقعها الاستراتيجي ومواردها المحتملة من النفط والغاز يجعلانها واحدة من أكثر البؤر حساسية في شرق آسيا.

وقال وزير الدفاع الياباني شينجيرو كويزومي إن بلاده “تتابع التطورات العسكرية بدقة”، مؤكدًا في الوقت نفسه أن موقف اليابان من قضية تايوان لم يتغير.

هل تصاعد التوتر حول تايوان سيعيد رسم التحالفات الإقليمية في شرق آسيا؟

وقال الخبير في الشؤون الآسيوية، محمد صلاح الدين، في حديث خاص لـ”داي نيوز” إن النزاع على الجزر في شرق آسيا يُعد من أكثر الملفات حساسية في المنطقة، مشيرًا إلى أن الحديث لا يقتصر على جزر سينكاكو/دياويو المتنازع عليها بين الصين واليابان، بل يشمل أيضًا جزر دوكدو/تاكيشيما بين كوريا الجنوبية واليابان، حيث يشكل الصراع التاريخي عنصرًا أساسيًا في المشهد الإقليمي.

وأوضح صلاح الدين أن التحرك الصيني الأخير يرتبط، في رأيه، بالتصعيد الأخير حول تايوان، خاصة بعد تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي حول احتمال تدخل اليابان إذا أقدمت الصين على تحرك عسكري تجاه الجزيرة.

الخبير في الشؤون الآسيوية، محمد صلاح الدين
الخبير في الشؤون الآسيوية، محمد صلاح الدين

وأكد أن إرسال الصين لسفن خفر السواحل إلى المنطقة ليس أمرًا جديدًا، إذ تتكرر مثل هذه التحركات بشكل دوري ضمن النزاع التاريخي القائم بين بكين وطوكيو.

وأوضح صلاح الدين أن تايوان ليست دولة بالمفهوم التقليدي، موضحًا أن اسمها الرسمي “جمهورية الصين”، وأنها تأسست بعد لجوء قوات حزب الكومينتانغ إليها عقب الحرب الأهلية مع الحزب الشيوعي الصيني.

ولفت إلى أن عدد الدول التي تعترف رسميًا بتايوان يبلغ نحو 12 دولة، معظمها دول صغيرة، باستثناء جواتيمالا وباراجواي.

وفيما يخص الموقف الكوري الجنوبي، قال الخبير في الشؤون الآسيوية إن سيول تعمل حاليًا على إعادة التوازن لعلاقاتها الخارجية، مؤكدة تقاربها الأمني مع الولايات المتحدة واليابان، وفي الوقت نفسه محاولة إصلاح العلاقات مع الصين بعد فترة توتر خلال عهد الرئيس السابق يون سوك يول، خاصة أن الصين تُعد الشريك التجاري الأهم لكوريا الجنوبية.

ومن ثم، فإن من مصلحة كوريا الجنوبية أن تظل السوق الصينية مفتوحة أمام صادراتها.

وحول احتمالية تشكل تحالفات إقليمية جديدة، استبعد صلاح الدين ذلك، مؤكدًا أن الاصطفافات الحالية واضحة، اليابان وكوريا الجنوبية ضمن تحالف مع الولايات المتحدة، بينما لا تواجه الصين كوريا الجنوبية مباشرة، بل تحاول الأخيرة الحفاظ على توازن دقيق وفتح مجالات تأثير جديدة بعيدًا عن الضغوط المتبادلة بين واشنطن وبكين.

ورجح الخبير ألا تتطور التوترات إلى صراع شامل، وإن كانت احتمالات التصعيد الطفيف قائمة، مؤكدًا أن إدارة الأزمة ستكون غالبًا عبر أدوات دبلوماسية واقتصادية وليس خطوات عسكرية، مشيرًا إلى أن اليابان لا تمتلك القدرات العسكرية الموازية للصين، كما أنها ملتزمة منذ الحرب العالمية الثانية بالنهج السلمي المنصوص عليه في الدستور، ولا سيما المادة التاسعة.

وأشار صلاح الدين إلى أن صعود ساناي تاكايتشي يثير مخاوف داخلية وإقليمية بسبب توجهاتها اليمينية المشابهة لنهج شينزو آبي، وهو ما قد يعيد الهواجس المرتبطة بأي تغيير محتمل في السياسة الدفاعية اليابانية، نظرًا لإرث النظام العسكري الياباني قبل نهاية الحرب العالمية الثانية.

وأكد أن هناك بالفعل محاولات يابانية لاحتواء التوتر، مشيرًا إلى زيارة مسؤول ياباني للصين مؤخرًا في إطار جهود التهدئة، وهو ما يعكس رغبة مشتركة في منع تفاقم الوضع.

وقال صلاح الدين إن تأكيد الحكومة اليابانية التزامها بالنهج الأمني القائم قد يسهم في تبديد المخاوف وتحسين الأجواء.

وختم صلاح الدين حديثه بإن أي حدث مرتبط بالنزاعات التاريخية بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية قد يؤدي تلقائيًا إلى تصاعد التوتر، خصوصًا في ظل وجود قيادات يمينية في طوكيو مثل تاكايتشي.

جذور النزاع التاريخية

ويعود النزاع بين الصين واليابان على جزر سينكاكو/دياويو إلى جذور تاريخية عميقة. فالصين تقول إن الجزر جزء من أراضيها منذ القرن الرابع عشر، بينما تؤكد اليابان أنها كانت “أرضًا بلا مالك” وضمتها رسميًا عام 1895.

وبعد الحرب العالمية الثانية، وضعتها الولايات المتحدة ضمن إدارة أوكيناوا قبل أن تعيدها لليابان عام 1972، وهي الخطوة التي رفضتها بكين ووصفتها بأنها “غير شرعية”.

وفي عام 2012، عندما قامت الحكومة اليابانية “بتأميم” الجزر، اندلعت احتجاجات واسعة في الصين ورُشقت السفارة اليابانية بالحجارة، ما يعكس مدى ارتباط هذا الملف بالحساسية القومية لدى الطرفين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى