أخبار دوليةتقارير

COP 31 في مأزق: صراع أنقرة وكانبرا يهدد وحدة المناخ العالمي

كتبت: هدير البحيري

بينما يتطلع العالم إلى مؤتمر الأطراف الـ31 لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP 31) كأحد أبرز المنتديات الدولية لمواجهة الأزمة المناخية، يظهر صراع دبلوماسي غير متوقع بين أستراليا وتركيا قد يعقد جهود المجتمع الدولي قبل انطلاق المؤتمر.

هذا الجمود ليس مجرد نزاع بروتوكولي، بل انعكاس لتقاطع المصالح الإقليمية والاستراتيجية والسياسية.

ترى أستراليا أن تركيزها على قضايا المحيط الهادئ أولوية قصوى، وأن المشاركة المشتركة قد تضعف نفوذها الإقليمي، بينما تعتبر تركيا الرئاسة المشتركة فرصة لتعزيز التعددية الدولية وإشراك الدول الأكثر هشاشة في مواجهة أزمة المناخ.

أعلن رئيس الحكومة الأسترالية، أنتوني ألبانيزي، رفضه فكرة الاستضافة المشتركة مع تركيا.

في المقابل، تؤكد تركيا استعدادها لاستضافة المؤتمر منفردة، مع الحفاظ على مبادئ التعاون والشمولية وإشراك الدول الأكثر هشاشة والأكثر تضررًا من التغيرات المناخية.

ووفقًا لمصادر دبلوماسية تركية، اقترحت أنقرة في وقت سابق قيادة مشتركة للمؤتمر مع كانبرا، إلا أن المفاوضات لم تُثمر بعد، ما أرجع الأمر إلى مرحلة البداية دون تقدم.

وأوضحت المصادر أن المباحثات التي جرت على هامش الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة أظهرت أرضية تفاهم متبادل، مع اتفاق على تولي البلدين رئاسة المؤتمر بشكل مشترك وتقاسم الاجتماعات الرفيعة المستوى وإدارة مسارات التفاوض.

لكن أستراليا تراجعت لاحقًا بحجة أن نموذج الرئاسة المشتركة غير منصوص عليه رسميًا، وأنه قد يحيد المؤتمر عن أولوية منطقة المحيط الهادئ.

وترى تركيا في الرئاسة المشتركة خطوة نموذجية لتعزيز التعددية والشمولية، مؤكدة أن أي تراجع عن التفاهمات السابقة لا يمنعها من الاستعداد لإدارة المؤتمر بمفردها إذا لزم الأمر.

كما أكدت أن COP 31 يجب أن يشمل جميع المناطق المتضررة من التغير المناخي، وليس منطقة بعينها، مع إمكانية تنظيم جلسات خاصة لدول المحيط الهادئ.

وشددت أنقرة على أن ترشيحها يمثل دعوة عالمية للتضامن والتعاون، وليس مجرد خيار إقليمي.

ووفقًا للقواعد الإجرائية، وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق حول البلد المضيف، يُعقد المؤتمر في مدينة بون الألمانية، حيث يقع مقر أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وهو خيار تحاول ألمانيا تجنبه نظرًا لضيق الوقت اللازم للتحضير.

وعلى صعيد آخر، تسعى أستراليا لاستضافة الحدث مع دول جزر المحيط الهادئ لتسليط الضوء على التهديدات المناخية التي تواجهها، وتحظى هذه الخطوة بدعم المنتدى الإقليمي لدول المحيط الهادئ.

في المقابل، تؤكد تركيا أن ترشيحها يركز على تعزيز التعاون والشمولية وزيادة تمويل البلدان النامية، مع عرض تقدمها في تحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2053.

ويأتي هذا الخلاف بعد أن قدمت كل من أستراليا وتركيا طلبات لاستضافة COP 31 منذ عام 2022، ولم تنسحب أي منهما، ما أدى إلى مأزق دبلوماسي مطروح للنقاش خلال مؤتمر COP 30  الجاري في مدينة بيليم بالبرازيل.

وقال الباحث في الشؤون الدولية، أحمد حسن لـ”داي نيوز” إن رفض أستراليا لمقترح الاستضافة المشتركة لـ”COP 31″ يرتبط بعدة عوامل، أبرزها غياب سند قانوني واضح لهذا النموذج داخل اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ، إلى جانب حسابات داخلية وأولويات جيوسياسية خاصة بكانبرا.

واشار حسن إلى أن التوتر القائم قد يؤدي إلى فتور دبلوماسي بين البلدين ويضيف مزيدًا من التعقيد لمسار المفاوضات العالمية، محذرًا من أن أطرافًا دولية أخرى قد تستغل الخلاف لإعادة توجيه جدول الأعمال بما يخدم مصالحها.

وأكد حسن أن تركيا قادرة من حيث الخبرة الدبلوماسية على إدارة المؤتمر منفردة، إلا أن حجم “COP 31” وتشعب أجندته يتطلب قدرًا كبيرًا من التنسيق مع المؤسسات الأممية والشركاء الإقليميين.

وشدد على أن نجاح أنقرة مرتبط بقدرتها على إشراك الدول الأكثر هشاشة، حتى لا تتحول رئاستها إلى رئاسة إقليمية الطابع، وهو ما قد يحد من فاعلية المؤتمر.

وبخصوص نموذج الرئاسة المشتركة الذي تقترحه تركيا، وصفه حسن بأنه “محاولة مبتكرة لتعزيز التعددية”، إذ يسمح بتوزيع المسؤوليات وتحقيق توازن سياسي بين الأطراف، لكنه في الوقت نفسه يحتاج إلى توافق واسع حتى لا يتحول إلى مصدر إضافي للخلاف.

وأشار إلى أن الاتفاقية لا تنص على هذا النموذج، لكن وجود سوابق في مسارات أممية أخرى يعني أن تطبيقه ليس مستحيلًا، بشرط توفر الإرادة السياسية.

وفي ما يتعلق بالسيناريوهات المقبلة، يرى حسن أن هناك احتمالين رئيسيين: الأول نجاح الوساطات الدولية في التوصل إلى تسوية قبل موعد المؤتمر، ما يضمن الحفاظ على استقرار جدول الأعمال.

أما الثاني فيتمثل في استمرار الجمود، وهو ما قد يدفع الأمم المتحدة إلى اللجوء لحل تقني عبر نقل المؤتمر إلى ألمانيا، الأمر الذي سيضعف الدور الإقليمي لكل من تركيا وأستراليا، ويشتت الجهود عن الملفات الأكثر إلحاحًا مثل تمويل التكيف والخسائر والأضرار، خاصة لدول المحيط الهادئ المهددة بارتفاع منسوب البحار.

وأضاف حسن أن أهمية هذا النزاع تتجاوز حدود البلدين، لأنها تمس مباشرة توازنات داخل كتلة “G77+China” والدول النامية التي تراقب تفاصيل الملف باعتباره مؤشرًا على اتجاهات المفاوضات المقبلة.

فبينما ترى بعض الدول أن الرئاسة المشتركة قد توسع التمثيل، تخشى أخرى من تعقيد آليات اتخاذ القرار.

وأشار حسن إلى أن حسم الخلاف التركي–الأسترالي لم يعد قضية إجرائية، بل أصبح ضرورة للحفاظ على مصداقية النظام الدولي للمناخ.

فالتأخير في الاتفاق يرسل، برأيه، “رسالة مقلقة للدول الأكثر هشاشة”، في وقت يحتاج فيه العالم إلى موقف موحد وأكثر صلابة في مواجهة أزمة تغير المناخ المتصاعدة.

وتتمتع أستراليا بثقل كبير داخل مجموعة دول أوروبا الغربية ودول أخرى (WEOG)، إذ يُقدر أنها تحظى بدعم نحو 23 دولة من أصل 28، وهو ما يمنحها أفضلية واضحة في سباق الاستضافة.

وكانت تقارير إعلامية أسترالية، من بينها تقرير لصحيفة “جارديان أستراليا”، قد أشارت في سبتمبر إلى أن تركيا تدرس خيارات دبلوماسية “مرنة” تسمح للطرفين بتحقيق مكاسب متوازنة عبر إطالة النقاش حول آلية الاستضافة، وهي مقترحات لم تلق استجابة من رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز أو وزير المناخ والطاقة كريس بوين.

وتشير تقديرات أولية إلى أن تكلفة استضافة المؤتمر قد تتجاوز مليار دولار، وهو ما أثار خلافا داخل الحكومة الفيدرالية بشأن مدى استعداد كانبرا لتحمل هذا العبء المالي.

ومن المرتقب أن يعقد ألبانيز لقاءً مع الرئيس أردوغان على هامش قمة العشرين في جنوب أفريقيا، وهو اجتماع قد يكون حاسما في تحديد المسار النهائي لملف الاستضافة قبل انعقاد المؤتمر.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى