تصويت حاسم في مجلس الأمن: هل تفرض واشنطن مسارها للحل في غزة؟

كتبت: هدير البحيري
بينما يشتد الخلاف الدولي حول مستقبل قطاع غزة، يستعد مجلس الأمن لمناقشة مشروع القرار الأمريكي المرتبط بخطة الرئيس دونالد ترامب، الذي لاقى دعمًا واسعًا من الدول العربية والإسلامية، في مقابل تحفظات إسرائيل وطرح روسي مضاد يقدم رؤية مختلفة لإدارة القطاع.
ويمثل المشهد الحالي اختبارًا لقدرة القوى الإقليمية والدولية على رسم مستقبل غزة وتحديد ملامح الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي في السنوات المقبلة.
ويسعى المشروع الأمريكي إلى تفعيل خطة شاملة تهدف إلى وقف النزاع وإعادة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة، مع تقديم مسار يُفضي إلى تقرير المصير الفلسطيني وإمكانية إقامة دولة.
وقد حظي المشروع بدعم قوي من السعودية ومصر وقطر والإمارات وتركيا، التي ترى في الخطة فرصة لتحقيق استقرار طويل الأمد للقطاع.
خيارات أمريكية متعددة
واجهت واشنطن ثلاثة مسارات: تعديل المشروع وفق بعض التعديلات الروسية، تشكيل تحالف دولي خارج الأمم المتحدة لإدارة غزة، أو طرح المشروع للتصويت مباشرة في مجلس الأمن، وهو الخيار الذي تم اعتماده.
ويعكس هذا التوجه إصرار الإدارة الأمريكية على تحريك ملف غزة وفق رؤيتها، رغم احتمالية مواجهة معوقات من فيتو روسيا أو الصين.
الخطة الروسية: نهج مختلف وقيود على التغيير
في المقابل، وزعت روسيا مشروع قرار مضادًا يركز على وحدة الأراضي الفلسطينية تحت إدارة السلطة، ويرفض أي تغييرات ديموجرافية أو جغرافية في القطاع، مؤكدة أن إقامة الدولة الفلسطينية يجب أن تظل أولوية.
ويعكس المشروع الروسي رغبة موسكو في إبقاء مجلس الأمن لاعبًا فاعلًا في صياغة ترتيبات ما بعد الحرب، مع تجنب فرض حلول أحادية الجانب.
تركيا ومستقبل القوة الدولية في غزة
تسعى تركيا للانخراط بشكل فاعل ضمن ترتيبات ما بعد الحرب، مؤكدة استعدادها لإرسال قوات ضمن “قوة الاستقرار الدولية” المقترحة، والمشاركة في اللجنة التي ستدير القطاع. وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن العمل مستمر على وضع إطار قانوني يحدد صلاحيات القوة وطريقة عملها، مع الإشارة إلى استعداد حركة “حماس” لتسليم إدارة القطاع للجنة الدولية.
الواقع الإسرائيلي والسياسات الأمنية
في المقابل، رفضت إسرائيل أي مشاركة تركية، مؤكدة أنها لن تقبل سوى بمشاركة دول تُظهر حيادًا تجاهها، ومشددة على أن القرار النهائي بشأن دخول قوات أجنبية يجب أن يكون بيدها.
ويعكس هذا التباين صراع نفوذ أوسع في المنطقة، إذ يشكل تصاعد الدور التركي تحديًا استراتيجيًا لإسرائيل، في حين يبقى التماهي الأمريكي عاملًا مؤثرًا على أي ترتيبات سياسية وأمنية لاحقة في غزة.
المرحلة الثانية لغزة: التنفيذ الفعلي يواجه التعطيل الإسرائيلي
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون العربية، طلعت طه لـ”داي نيوز” إن ما يجري في مجلس الأمن بشأن غزة يعكس جزءًا من صراع عالمي أعمق، حيث يتبادل العناد كل من روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى.
وأوضح طه أن واشنطن تسعى عبر عرض القرار على المجلس إلى منح تحركاتها شرعية دولية، لكنها تملك القدرة على تنفيذ المرحلة التالية من خطة السلام الأمريكية حتى دون موافقة المجلس.
وأضاف أن المرحلة الثانية من الخطة لا تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن، بل تعتمد على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين إسرائيل وحركة “حماس”، بما في ذلك تسليم إدارة القطاع بالكامل للجنة الدولية.

وأكد طه أن إسرائيل تعرقل العملية يوميًا من خلال الخروقات واستهداف المدنيين وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية وفتح المعابر جزئيًا ثم إغلاقها، ما يزيد من معاناة الفلسطينيين، خصوصًا في ظل البرد والأمطار، ويؤكد استمرار الوضع الإنساني الكارثي في القطاع.
وتابع طه أن إسرائيل تسعى للحفاظ على سيطرتها المطلقة على غزة حتى مع تشكيل القوة الدولية وفق الرؤية الأمريكية، بهدف فرض واقع جديد يشمل غزة والضفة، مع إنشاء قواعد عسكرية وإشراف أمريكي–إسرائيلي على إدارة القطاع، بما يمنع نشوء انتفاضات جديدة أو تكرار أحداث السابع من أكتوبر.
وأشار إلى أن هذه السياسة تمثل امتدادًا لنهج تقسيم النفوذ وفرض السيطرة الإسرائيلية، مع احتمالية إدخال تعديلات على اتفاق أوسلو، بحيث تبقى غزة والضفة تحت إدارة الأمر الواقع الإسرائيلي.
وشدد على أن الحل الفعلي يكمن في التنفيذ الجاد للاتفاقات، لا في نقاشات أو قرارات في مجلس الأمن، محذرًا من استمرار معاناة الفلسطينيين بسبب تعطيل إسرائيل لآليات الإغاثة والإعمار.
القرار الأمريكي بشأن غزة يركز على الحلول العملية
وفي السياق ذاته، قال الدكتور يسري عبيد، الباحث في الشؤون الدولية، إن القرار الأمريكي بشأن غزة يركز على الحلول العملية من وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية.
وأوضح عبيد، في حديث خاص لـ”داي نيوز”، أن مجلس السلام الدولي والقوات الدولية المخطط إرسالها إلى غزة ستكتسب شرعية دولية إذا تم تمرير القرار، مع صبغة رسمية من مجلس الأمن، مشيرًا إلى أن الهدف من القرار ليس مجرد تحقيق نفوذ سياسي، بل تطبيق حلول عملية تتضمن مزيجًا من الحل العسكري والسياسي في الوقت ذاته، مع دعم كبير من الأمم المتحدة لضمان فعالية إدارة قطاع غزة واستقرار المنطقة.

وأشار عبيد إلى أن السيناريوهات المتوقعة في غزة ستتحدد بناءً على تفاصيل القرار الأمريكي وعملية نزع السلاح، موضحًا أن تكليف القوات الدولية بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية قد يؤدي إلى صدام وتصعيد في القطاع بين حركات المقاومة والقوات الدولية، بينما تجاهل هذه العملية سيؤدي إلى استمرار تواجد القوات الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية في الداخل مع الحفاظ على وقف إطلاق النار، وربما إعادة إعمار المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية وخارج الخطوط الحمراء.
وأكد عبيد أن تمرير القرار بصيغته الحالية سيضع إدارة قطاع غزة تحت إشراف مجلس السلام الدولي برئاسة ترامب وتوني بلير، بما يشمل إدارة القوات الدولية، وإعادة الإعمار، وإدخال المساعدات، وكل ما يتعلق بتنظيم وإدارة القطاع بعد نهاية الحرب، مع مشاركة إسرائيلية واضحة.
وبحسب عبيد، ستواجه إسرائيل عدة تحديات سياسية في حال تنفيذ القرار، أبرزها وجود قوات دولية قد تفرض وقف إطلاق النار وتمنع القوات الإسرائيلية من استمرار الهجمات، ما سيجبر تل أبيب على الانصياع للقرار وعدم احتلال أو مهاجمة مناطق جديدة. وأوضح أن الإدارة الفعلية للقطاع ستعود للجانب الأمريكي، مع احتمال وجود تنسيق محدود مع إسرائيل.
وأشار عبيد إلى أن التأثير التركي سيكون محدودًا، إذ أن تركيا ليست عضوًا في مجلس الأمن، إلا أن دعمها للقرار عبر بيان مشترك مع بعض الدول العربية والإسلامية سيساهم في عمليات إعادة الإعمار، مع استمرار احتمال وجود فيتو إسرائيلي على تواجد قوات تركية في القطاع.
وأضاف أن روسيا والصين من المتوقع أن يمتنعوا عن التصويت ولن يستخدموا حق النقض (الفيتو)، بسبب الدعم العربي والإسلامي للقرار الأمريكي، وخوفًا من أن يؤدي استخدام الفيتو إلى تعطيل خطة ترامب وإبقاء الوضع الراهن في غزة، حيث تستمر إسرائيل والفلسطينيون في إدارة أجزاء مختلفة من القطاع بشكل منفصل.



