اقتصاد وتكنولوجيا

شركة ناشئة يمولها سام التمان تعدّل أول جنين صناعي

في تطور مثير للجدل يجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والأخلاقيات الحساسة، أعلنت شركة Preventive الناشئة، المقررة في سان فرانسيسكو، عن سعيها لتحقيق اختراق في تعديل الجينوم البشري قبل الولادة، بهدف منع الأمراض الوراثية الفتاكة.

تأسست الشركة هذا العام (2025) على يد العالم لوكاس هارينغتون، الذي حصل على درجة الدكتوراه في مختبر جينيفر دودنا، حائزة جائزة نوبل في تكنولوجيا CRISPR لتعديل الجينات.

وتصنف Preventive كشركة للمنفعة العامة (public-benefit corporation)، مما يعني التزامها قانونياً بتعزيز الخير العام إلى جانب الربح، حيث يُحدد ميثاقها الغرض بـ”تقدم مسؤول لتقنيات تعديل الجينوم قبل الولادة لصالح البشرية”.

 التمويل والدعم البارز

حققت Preventive جولة تمويل أولية بقيمة 30 مليون دولار من مستثمرين خاصين، يشملون أبرز المليارديرات في وادي السيليكون. يتصدر القائمة سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI (مبتكرة ChatGPT)، وزوجة أوليفر مولهرين، اللذين قادا الاستثمار الخاص بهما. كما شارك براين أرمسترونغ، الرئيس التنفيذي لشركة Coinbase، الذي يُقدر ثروته بنحو 12.5 مليار دولار وفقاً لمجلة فوربس، وأعرب عن حماسه للدعم، مشدداً على أن “تصحيح عيب جيني في الجنين أسهل بكثير من علاج المرض لاحقاً في الحياة”.

هذا التمويل يعكس تدفق الأموال الضخمة من وادي السيليكون نحو مجال الوراثة الإنجابية، حيث يُقدر أن أكثر من 300 مليون شخص حول العالم يعانون من أمراض جينية وراثية.

 الأهداف والطرق العلمية

يهدف المشروع إلى إنهاء الأمراض الوراثية الوراثية من خلال تعديل الجينوم في مراحل مبكرة، مثل تعديل الحيوانات المنوية أو البويضات أو الأجنة باستخدام تقنية CRISPR، التي تسمح بتعديل دقيق للحمض النووي حرفاً حرفاً داخل الخلايا الحية.

التركيز الأولي على اضطرابات جينية أحادية الجين (monogenic disorders) مثل التليف الكيسي أو فقر الدم المنجلي، حيث يحمل الوالدان الطفرة الجينية نفسها، مما يجعل الإنجاب الطبيعي مستحيلاً دون تدخل. يُعتبر هذا “أحد أهم الاختراقات الصحية في القرن” إذا نجح، إذ يُسهل علاج عدد أقل من الخلايا في الجنين قبل تطور المرض. الشركة ملتزمة بالشفافية، حيث ستُنشر نتائج أبحاثها سواء إيجابية أو سلبية، وتركز حالياً على أبحاث ما قبل السريرية (preclinical) لإثبات السلامة قبل أي محاولة لإنتاج طفل.

نفى هارينغتون أي استعداد لزرع جنين معدل أو التعاون مع زوجين للقيام بذلك، مؤكداً: “نحن لا نسعى للإسراع في الأمور”.

الشراكات الدولية والتحديات التنظيمية

بسبب الحظر الصريح على تعديل الأجنة الجرثومية (germline editing) في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا لأسباب أخلاقية وأمنية، حيث تمنع القوانين الفيدرالية هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) من النظر في طلبات تجارب بشرية تتضمن أجنة معدلة للحمل، تلجأ Preventive إلى استكشاف ولايات قضائية أجنبية حيث يُسمح بالتجارب.

ذكرت الإمارات العربية المتحدة كوجهة محتملة، لكن هارينغتون أكد أن العمل خارج الولايات المتحدة يأتي بسبب القيود التنظيمية، لا للتهرب من الرقابة.

الشركة جمعت مستشارين من مجالات الطب الإنجابي والوراثة، وتستلهم من أبحاث سابقة مثل حالة في مايو 2025، حيث نجح أطباء في مستشفى أطفال فيلادلفيا وجامعة بنسلفانيا في إعادة كتابة DNA طفل مصاب باضطراب جيني نادر باستخدام CRISPR، مما يمثل خطوة نحو علاجات شخصية.

التحذيرات الأخلاقية والمخاطر العلمية

رغم الوعود الطبية، أثار المشروع جدلاً حاداً حول السلامة والأخلاقيات. يحذر العلماء من أن أي خطأ في تعديل جين واحد قد يؤثر ليس فقط على الطفل، بل على أجياله المستقبلية بأكملها، مما يثير مخاوف من “أطفال مصممين” (designer babies) أو حتى يوغنيكس تجارية.

فيودور أورنوف، مدير معهد الجينوميكس المبتكر في جامعة كاليفورنيا بيركلي، وصف العمل بأنه “تحسين الأطفال”، معتبراً الادعاءات “كذباً أو وهماً أو كليهما”.

الدكتورة مارسيل سيدارز، رئيسة عيادة الإخصاب الصناعي في جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو، قالت: “الناس في عالم التكنولوجيا يسيطرون على حياتهم كثيراً، فلماذا لا يحصلون على الطفل المثالي؟ لكن الأطفال يأتون مبرمجين، ولا يمكن التنبؤ بهم”.

يذكر فضيحة 2018 في الصين، حيث سجن العالم هي جيانكوي ثلاث سنوات لإنشاء أول أطفال معدلين جينياً (توأم مقاوم لفيروس نقص المناعة)، وأدانه العلماء عالمياً رغم ادعائه بصحة الطفلين، اللذين لم يُكشف عن هويتهما.

كما أن شركات أخرى مثل Manhattan Genomics وBootstrap Bio تجري أبحاثاً مشابهاً، مما يزيد من الضغط على المنظمين لمراقبة هذه الاتجاهات.

هذا الخبر، الذي انفجر في الأسابيع الأخيرة، يبرز التوتر بين الابتكار التكنولوجي والحدود الأخلاقية، وقد يُغير مسار الطب الإنجابي إلى الأبد إذا نجح، أو يُعيد إشعال نقاشات عالمية حول حدود التدخل في الطبيعة البشرية.

Mariam Hassan

مريم حسن كاتبة وصحفية متخصصة في الشأن الهندي ـ الباكستاني و جنوب شرق آسيا خبرة سنتين في مجال العمل الصحفي والإعلامي. أماكن العمل : داي نيوز الإخباري. أعمل على ترجمة وتحرير الأخبار والتقارير الصحفية المتنوعة. تحليل و دراسة التحولات السياسية والتهديدات الأمنية في آسيا وانعكاساتها على الأمن القومي المصري والعربي. متابعة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، وتحليل سياسات القوى الإقليمية وأنماط التحالفات بين جنوب آسيا والشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى