آخر من يعرقل إلغاء قانون قيصر يرفض التراجع.. التفاصيل الكاملة

في ظل التطورات السياسية السريعة التي شهدتها سوريا بعد سقوط النظام السابق، يواجه قانون “قيصر” للعقوبات الاقتصادية، الذي فرضته الولايات المتحدة منذ عام 2020، معارضة شديدة أمام محاولات إلغائه، حيث يقف خلف هذه المعارضة شبكة من اللوبيات والمنظمات الداعمة لمصالح إسرائيلية وأقليات معينة في سوريا، التي ترفض التنازل عن موقفها رغم الضغوط المتزايدة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
يعد هذا القانون، الذي سمي تيمنًا بـ”قيصر” الضابط السوري المنشق فريد المذهان الذي كشف عن صور معتقلين تعرضوا للتعذيب في عام 2014، أداة لمعاقبة أي دعم يقدمه أفراد أو شركات أو دول مثل روسيا وإيران للنظام السوري السابق، سواء كان عسكريًا أو ماليًا أو يتعلق بإعادة الإعمار.
وقد أُقر في الكونغرس الأمريكي عام 2016 ووقّع عليه ترامب في 2019، مما أثار أملًا واسعًا لدى السوريين في رفع العقوبات لتعزيز التعافي الاقتصادي، لكنه اليوم يعاني من “حرب لوبيات” تجعله معلقًا بين مجلس الشيوخ الذي أقر إلغاءه في 10 أكتوبر الماضي ضمن ميزانية وزارة الدفاع، والبيت الأبيض الذي يضغط لإنهائه نهائيًا قبل عرضه على مجلس النواب.
الجهات المعرقلة وأسباب تمسكها بالرفض
اللاعبون الرئيسيون في عرقلة الإلغاء هم منظمات أمريكية-إسرائيلية قوية مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية-الإسرائيلية (آيباك)، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، والمعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي (JINSA)، بالإضافة إلى المنتدى الأمني الأمريكي (ASF)، التي تتعاون مع مسؤولين إسرائيليين بارزين مثل رون ديرمر، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي.
هذه الجهات ترى في سوريا الجديدة تهديدًا محتملًا لأمن إسرائيل، وتخشى عدم ضمان حماية الأقليات مثل العلويين والدروز، كما تطالب بوقف أي دعم للتنظيمات المصنفة إرهابية وإخراج المقاتلين الأجانب من المؤسسات السورية.
كذلك، تشارك منظمات سورية في الولايات المتحدة، مثل رابطة العلويين، في هذا الرفض، محذرة من مخاطر الإرهاب وانتهاك حقوق الأقليات إذا تم الإفراج عن العقوبات دون ضمانات.
على الصعيد السياسي، يقود النواب الأمريكيون ليندسي غراهام (جمهوري)، ومارك لولر، وكريس فان هولن، وبراد شيرمان، وبراين ماست (من الحزبين) هذه المعارضة، حيث قدم غراهام في 15 سبتمبر تعديلًا يشترط تعليقًا غير مطلق للعقوبات، مرتبطًا بانضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد “الدولة الإسلامية”، ومحاربة الإرهاب، وحماية حقوق الأقليات وضمان مشاركتها السياسية، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومحاسبة المتورطين في الجرائم منذ ديسمبر 2024.
هذه الشروط غير ملزمة قانونيًا، لكنها تعيد فرض العقوبات تلقائيًا إذا لم تنفذ، مع إمكانية إعادة النظر بعد 12 شهرًا من عدم التقدم، وتقارير دورية كل 120 يومًا لمراقبة الالتزام.
يرفض هؤلاء التراجع خوفًا من أن يؤدي الإلغاء الكامل إلى عودة النفوذ الإيراني أو انتشار الإرهاب، معتبرين أن الشروط ضرورية لبناء ثقة وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
الداعمون للإلغاء والضغوط المضادة
في المقابل، يدعم إلغاء القانون إدارة ترامب بالكامل، بما في ذلك وزارة الخزانة وغرفة التجارة الأمريكية، التي ترى فيه عائقًا أمام الاستثمارات البالغة 24 مليار دولار المعلقة حاليًا.
كما يؤيد نواب ديمقراطيون مثل جين شاهين، وماكسين ووترز، ورشيدة طليب، وإلهان عمر، وجيمي بانيتا، وبراميلا جايابال، إلى جانب جمهوريين مثل جو ويلسون، وراند بول، وآنا بولينا لونا، ومارلين ستوتزمان، ولو كوريا، وجاك بيرغمان.
منظمات سورية-أمريكية مثل المجلس السوري-الأمريكي، والتحالف السوري للسلام والازدهار، والمنظمة السورية للطوارئ، تدعو إلى إنهاء فوري للسماح بتدفق المساعدات الإنسانية والاستثمارات في قطاعات مثل المالية والسياحة والتكنولوجيا.
حتى عائلات المفقودين الأمريكيين في سوريا انضمت إلى الداعمين، معتبرة أن القانون لم يعد يخدم أهدافه الأصلية.
ساهم المبعوث الأمريكي توم براك في تسهيل لقاءات بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونواب مثل غراهام وفان هولن في سبتمبر، لكن التوترات ما زالت قائمة، خاصة مع ضغوط إسرائيلية لإضافة شروط إضافية تتعلق بـ”الكبتاجون” واللاجئين.
التأثيرات الاقتصادية والسياسية والتوقعات المستقبلية
اقتصاديًا، يعيق بقاء القانون إعادة الإعمار السوري، حيث يردع الشراكات الدولية ويبطئ التعافي، مما يدفع بعض الدول نحو التعاون مع الصين أو تنويع الاقتصاد المحلي كحلول مؤقتة.
سياسيًا، يعزز العزلة عن الغرب ويصعب بناء علاقات مستقرة، لكنه يمنح الإدارة السورية الجديدة فرصة لإثبات التزامها بالإصلاحات.
خبراء مثل محمد سليمان يرون في الشروط “بوصلة سياسية” يمكن تنفيذها تدريجيًا، بينما يؤكد حازم الغبرا أنها طلبات أساسية مثل حماية الأقليات ومكافحة الإرهاب.
يتوقع سمير صابونجي إقرارًا نهائيًا في ديسمبر ضمن قانون الدفاع الوطني، ربما بصيغة إلغاء كامل أو مشروط بتقارير، أو تعليق مؤقت، مع آلية ارتداد سريعة للعقوبات إذا انحرفت سوريا عن المسار. يضيف بسام بربندي أن لا معارضة حقيقية في واشنطن، مشيرًا إلى تفاؤل بسبب القضاء على “الدولة الإسلامية” وتقليص النفوذ الإيراني، لكن الضمانات ضرورية.
الوضع الميداني في مناطق مثل الساحل والسويداء يشكل تحديًا إضافيًا، وقد يؤثر لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع ترامب القريب على تسارع الأمور. في النهاية، يعكس هذا الصراع الانقسامات داخل الحزبين الأمريكيين، حيث يميل الجمهوريون إلى شروط أمنية صارمة والديمقراطيون إلى إغاثة إنسانية، مما يفتح الباب لتسويات محتملة في الأسابيع المقبلة.



