رأس نفرتيتي التي احتجزها الألمان منذ أكثر من قرن فمتى تعود إلى مصر؟

مع افتتاح المتحف المصري الكبير، وبدء عرض مجموعات نادرة من كنوز الحضارة المصرية القديمة، عاد الجدل مجددًا حول الآثار المصرية التي تنتشر في متاحف العالم، وعلى رأسها تمثال رأس الملكة نفرتيتي المعروض في متحف برلين، والذي أصبح محورًا للنزاع بين القاهرة وبرلين منذ أكثر من 113 عامًا.
الملكة نفرتيتي، زوجة الملك إخناتون من الأسرة الثامنة عشرة، تُعد رمزًا خالدًا للجمال والقوة والدهاء السياسي في التاريخ المصري القديم، إذ جسّد تمثالها النصفي ملامح الأنوثة الملكية بدقة فنية مدهشة.
يبلغ ارتفاع الرأس نحو 47 سنتيمترًا ويزن 20 كيلوجرامًا، وهو مصنوع من الحجر الجيري المغطى بطبقة من الجص الملون، ما يمنحه مظهرًا واقعيًا فريدًا جعل منه أيقونة نادرة بين تماثيل الملكات في العالم القديم.
تم اكتشاف الرأس عام 1912 أثناء حفريات قامت بها البعثة الألمانية في تل العمارنة بمحافظة المنيا، بقيادة عالم المصريات لودفيغ بورخاردت. ووفقًا للدكتور أحمد بدران، أستاذ الآثار المصرية بجامعة القاهرة، فإن القوانين الأثرية آنذاك كانت تسمح بتقسيم المكتشفات بين مصر والبعثات الأجنبية، باستثناء القطع الملكية التي يُحظر خروجها نهائيًا من البلاد.
لكن بورخاردت، وهو مدرك لقيمة الاكتشاف، قدّم معلومات مضللة للسلطات المصرية، زاعمًا أن الرأس يعود لأميرة مجهولة وأنه مصنوع من الجبس، ليخفي حقيقته كقطعة ملكية ثمينة.
وبعدها قام بإخفائه في مقر البعثة، وتم تهريبه لاحقًا إلى ألمانيا، حيث مكث عدة سنوات دون عرض بناءً على توصيته، حتى هدأت الأوضاع.
لاحقًا، عُرض الرأس في متحف برلين وأصبح من أشهر مقتنياته على الإطلاق. وخلال الحرب العالمية الثانية، نُقل التمثال بين مواقع سرية داخل ألمانيا لحمايته من القصف، حتى وصل إلى مخبأ هتلر الذي قيل إنه أُعجب بجمال نفرتيتي إلى حد الهوس واحتفظ به في مكتبته الخاصة.
ومنذ ذلك الحين، تحوّل الرأس من أثر مصري إلى رمز ثقافي ألماني؛ طُبعت صورته على الطوابع البريدية، واستُخدمت ملامحه كشعار لبعض الأحزاب السياسية، ليصبح جزءًا من هوية العاصمة برلين.
ورغم مرور أكثر من قرن، لم تتوقف مصر عن المطالبة باستعادة رأس نفرتيتي. فقد أرسلت السلطات المصرية عدة وفود رسمية إلى ألمانيا مؤكدة أن التمثال خرج من البلاد بطرق غير شرعية، إلا أن جميع المحاولات قوبلت بالرفض.
من جانبه، أوضح أحمد غازي، المدير المسؤول في المركز العربي الأوروبي للقانون الدولي، أن رأس نفرتيتي بات يمثل جزءًا من الوجدان الألماني، لكن مصر لم تتخلَّ عن مساعيها القانونية والدبلوماسية لاستعادته.
وأشار إلى أن الجهود تشمل التعاون مع منظمة اليونسكو واستخدام آليات التحكيم الدولي، الذي يبدأ بتقديم طلب رسمي، وفي حال الرفض، يمكن رفع القضية إلى محكمة دولية مشتركة لتقديم الأدلة والوثائق التي تثبت أحقية مصر بالتمثال.
وأشار غازي إلى أن اتفاقية اليونسكو لعام 1970 الخاصة بمنع تهريب الممتلكات الثقافية لا تنطبق على حالة نفرتيتي، لأن خروجها تم قبل صدور الاتفاقية. ومع ذلك، توجد آلية دبلوماسية أنشأتها اليونسكو تُعنى بإعادة الممتلكات الثقافية إلى بلدانها الأصلية، ساهمت بالفعل في استرداد العديد من الآثار القديمة حول العالم.
ويظل تمثال رأس نفرتيتي، رغم بقائه في برلين لأكثر من 113 عامًا، شاهدًا على تاريخ طويل من السجال الثقافي والقانوني بين مصر وألمانيا، ورمزًا مؤلمًا لقضية استرداد الآثار المصرية المهربة التي لم تُغلق بعد.



