اتهامات روسية تثير أزمة نووية في زابوريجيا..ماذا حدث؟
في تصعيد جديد يعكس التوترات المتصاعدة حول أكبر محطة نووية في أوروبا، أطلقت روسيا اتهامات حادة ضد أوكرانيا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، متهمة إياهم بتخطيط “عملية تخريبية متعمدة” في محطة زابوريجيا للطاقة النووية .
جاءت هذه الادعاءات في بيان صادر عن دائرة الاستخبارات الخارجية الروسية (SVR) يوم 6 نوفمبر 2025، ونقلته وكالة “ريا نوفوستي” الرسمية، دون تقديم أي أدلة ملموسة تدعمها.
تقع المحطة في مدينة إنرهودار بمنطقة زابوريجيا الجنوبية الشرقية، وهي تضم ستة مفاعلات نووية قادرة على إنتاج نحو 20% من الكهرباء الأوكرانية قبل الغزو الروسي في فبراير 2022.
منذ ذلك الحين، احتلت القوات الروسية الموقع، مما أثار مخاوف دولية واسعة بشأن سلامة التشغيل. وفقاً لـSVR، يشمل السيناريو المزعوم “انصهار قلب المفاعل”، ويهدف إلى إحداث كارثة نووية تؤدي إلى خسائر بشرية هائلة بين الأوكرانيين وسكان الدول الأوروبية المجاورة، مثل رومانيا وبلغاريا، مع تحميل روسيا المسؤولية عنها. وأشارت الدائرة إلى تورط منظمة غير حكومية بريطانية في التخطيط، معتبرة ذلك محاولة لـ”تغيير مسار النزاع” لصالح كييف.
اقرأ أيضاً:ترامب يقترح تعاوناً نووياً ثلاثياً مع روسيا والصين للحد من الأسلحة النووية
روسيا تتهم أوكرانيا والناتو بتخطيط حادث نووي
ليست هذه الاتهامات الأولى من جانب موسكو. على مدار العامين الماضيين، كررت وسائل الإعلام الروسية والمسؤولون اتهامات مماثلة لأوكرانيا بالتخطيط لهجمات على المحطة، في الوقت الذي استخدمت فيه روسيا الموقع كقاعدة عسكرية، مما أدى إلى إدانة شديدة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA). في تقريرها الأخير، وصفت IAEA الوضع حول ZNPP بأنه “غير مستقر”، مشيرة إلى أن الاحتلال الروسي يعرض السلامة النووية للخطر. وفي 6 أكتوبر 2025، سمع موظفو الوكالة سلسلة من الطلقات النارية على بعد 1.25 كيلومتر من المحطة، مما يعكس “البيئة الأمنية المتقلبة” التي أكدت عليها مراراً.
كييف ترفض الاتهامات وتصفها بالدعاية الروسية
أما الجانب الأوكراني، فقد نفى مسؤولو الحكومة في كييف هذه الادعاءات فوراً، معتبرينها “دعاية كرملينية” تهدف إلى التنصل من المسؤولية عن أي كارثة محتملة. وقال المتحدث باسم الرئاسة الأوكرانية إن “روسيا هي التي تسيطر على المحطة وتستخدمها كسلاح، وأي حادث سيكون بسبب إهمالها العسكري”. كما حذرت السلطات الأوكرانية في 6 نوفمبر من “استفزاز روسي محتمل” لإلقاء اللوم على كييف، مشيرة إلى تاريخ موسكو في نشر روايات مشابهة، مثل تلك المتعلقة بتفجير خط أنابيب نورد ستريم.
اقرأ أيضاً:تيك توك يجند شباب العراق لحرب أوكرانيا والضحايا بالمئات…ماذا يحدث؟
تحذيرات دولية من تدهور أمني في المحطة النووية
يأتي هذا التصعيد في سياق أزمات تشغيلية متكررة. خلال سبتمبر وأكتوبر 2025، بقيت المحطة منقطعة عن شبكة الكهرباء الأوكرانية لأسابيع، معتمدة على مولدات الديزل كحل طارئ، وهو وضع وصفته IAEA بـ”شديد الخطورة” لأنه يعتمد على وقود محدود يمكن أن ينفذ في غضون أيام. وقد سجلت الوكالة أربع حوادث ضربات طائرات بدون طيار على مركز التدريب في المحطة منذ بداية العام، بالإضافة إلى انقطاعات كهربائية بلغت العاشرة منذ الاحتلال، مما أدى إلى صعوبات في توريد المياه الباردة لتبريد المفاعلات الستة المغلقة منذ ربيع 2024.
تصعيد نووي عالمي مرتبط بمحطة زابوريجيا
شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيداً نووياً روسياً مرتبطاً بشكل مباشر بالتوترات حول محطة زابوريجيا.
ففي 30 أكتوبر 2025، أمر الرئيس الأمريكي بإعادة اختبار الأسلحة النووية الأمريكية بعد توقف طويل، وردّت روسيا في 5 نوفمبر بإجراء دراسات حول تجارب نووية جديدة وأوامر لتقديم “إجراءات متبادلة”، بعد اختبارات ناجحة لصاروخ نووي كروز وصفه بوتين بأنه “غير قابل للاختراق”. ويرى خبراء أن موسكو تستخدم هذه التهديدات لتبرير احتلالها العسكري للمنشآت النووية مثل زابوريجيا والضغط على كييف والغرب. التحركات الأخيرة تزيد المخاطر على المحطة، حيث يمكن لأي تصعيد عالمي أو خطأ غير مقصود أن يؤدي إلى حادث نووي، وهو ما حذرت منه الوكالة الدولية للطاقة الذرية مراراً.
اتفاق روسي أوكراني مؤقت لإصلاح خطوط الكهرباء
ومع ذلك، شهدت الأيام الأخيرة تطوراً إيجابياً يرتبط مباشرة بهذه المخاوف. في 7 نوفمبر 2025، أعلنت IAEA عن اتفاق ناجح بين روسيا وأوكرانيا على وقف إطلاق نار محلي حول المحطة، للسماح بإصلاح خطوط الكهرباء المتضررة. يهدف هذا الاتفاق إلى تعزيز الاتصال بالشبكة الكهربائية، بعد انقطاع دام أسابيع، ويُعتبر خطوة وقائية لمنع أي كارثة نووية. وقالت الوكالة إن فريقها سيتابع الأعمال، مشددة على أن “الإصلاحات ضرورية للحفاظ على السلامة النووية في ظل النزاع”. هذا الاتفاق يأتي كرد فعل على الاتهامات الروسية الجديدة، حيث يُرى كمحاولة لتهدئة التوترات قبل تفاقمها، لكنه يعيد التأكيد على هشاشة الوضع: ستة من سبع خطوط كهرباء رئيسية متضررة، ومخاطر مستمرة من الاشتباكات العسكرية.
خبير أوكراني: روسيا تعيد تدوير رواية “الخطر النووي” للضغط السياسي
في سياق متصل، أكّد إيفان أوس، مستشار السياسة الخارجية في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية في أوكرانيا، في تصريحات خاصة لـ«داي نيوز»، أن محطة الطاقة النووية في زابوريجيا تُعدّ أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا، وهو ما يجعلها محطّ اهتمام دولي واسع، مشيراً إلى أن المسألة لا تتعلق فقط بأمن أوكرانيا، بل بأمن القارة الأوروبية والعالم بأسره.
وأضاف أوس قائلاً: “في بداية الحرب الشاملة، كانت هناك إشارات واضحة من الصين والهند تؤكد ضرورة الامتناع عن تنفيذ أي أعمال عسكرية تستهدف المحطات النووية، لما قد يترتب على ذلك من أضرار تتجاوز حدود أوكرانيا لتطال العديد من الدول حول العالم. الجميع يتذكر حادثة تشيرنوبيل عام 1986، عندما تسبّب الانفجار في تسرب إشعاعي وصل إلى دول بعيدة مثل السويد، رغم المسافة الكبيرة بينها وبين موقع الكارثة.”
وأوضح المستشار الأوكراني أن مسألة محطة زابوريجيا أصبحت بمثابة ملف منفصل داخل الحرب، حيث استخدمت روسيا هذه الورقة في عام 2023 عندما زعمت أن أوكرانيا تحاول تنفيذ انفجار لـ”قنبلة قذرة”، مدعية أن كييف قامت باستفزاز داخل المحطة النووية. وأضاف: “لكن المجتمع الدولي أكد حينها أن المحطة تقع تحت السيطرة الروسية الكاملة، وبالتالي فإن روسيا هي المسؤولة عن أي حادث قد يقع هناك، ثم تراجع الحديث عن الموضوع لفترة.”
وتابع أوس: “اليوم نرى روسيا تعود لتكرار الخطاب نفسه، لتقول إن هناك احتمالاً لوقوع شيء في المحطة. الولايات المتحدة كانت قد اقترحت في وقت سابق تسليم إدارة الأمن هناك لشركات أمريكية متخصصة لضمان الحماية، غير أن روسيا رفضت هذا المقترح. ومن وجهة نظري، موسكو تحاول الآن إعادة تدوير نفس الرواية التي استخدمتها العام الماضي لإثارة القلق والضغط السياسي.”
واختتم قائلاً: “بما أنه لم يحدث أي شيء فعلي في عام 2023، فأنا لا أعتقد أن شيئاً سيحدث الآن. الجميع يدرك خطورة أي انفجار في أكبر محطة نووية في أوروبا، وتأثيره الكارثي على المناطق المجاورة وعلى البيئة الإقليمية والدولية بأكملها.”
من جانبه، يرى أحمد ماجد، الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية، في تصريحات خاصة لـ«داي نيوز»، أن الموقف الروسي، رغم طابعه الدعائي، يعكس أيضاً قلقاً حقيقياً من تدهور الأوضاع الميدانية حول محطة زابوريجيا، مشيراً إلى أن “استمرار القصف المتبادل قرب المنشأة النووية يزيد من احتمالات وقوع حادث غير مقصود، حتى لو لم تكن هناك نية مسبقة من أي طرف لتنفيذه.”
وأضاف ماجد أن المجتمع الدولي “ينبغي أن يتعامل مع هذه التحذيرات بجدية تامة، لأن أي خطأ في مثل هذه القضايا قد تكون عواقبه كارثية وغير قابلة للاحتواء.”
واختتم ماجد تصريحاته بالتأكيد على أن الحل يكمن في تعزيز الدور الدولي للوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان سلامة المنشأة، وفرض رقابة محايدة تمنع أي استغلال سياسي أو عسكري لها، مشدداً على أن أمن زابوريجيا النووية هو مسؤولية جماعية تتجاوز حدود الحرب وأطرافها.
يبقى الوضع في محطة زابوريجيا النووية هشاً للغاية، وسط استمرار التهديدات الأمنية، والانقطاعات المتكررة في الكهرباء، وتزايد المخاطر البيئية المحتملة. الأحداث الأخيرة والاتهامات المتبادلة تؤكد أن المجتمع الدولي ملزم بمراقبة المنشأة عن كثب، وتعزيز التدابير الوقائية لضمان سلامتها، إذ أن أي خطأ أو حادث قد يكون له عواقب كارثية تتجاوز حدود أوكرانيا لتطال أوروبا والعالم بأسره. ويظل التعاون الدولي والرقابة المحايدة والشفافة للوكالة الدولية للطاقة الذرية عاملاً أساسياً لتفادي أي كارثة نووية محتملة.


