أخبار دوليةتقارير

تركيا تدخل أوروبا بطائرة قتالية… تداعيات استراتيجية على الناتو وتوازن القوى الدفاعية

كتبت: هدير البحيري

في خطوة استراتيجية غير مسبوقة داخل الاتحاد الأوروبي، أعلنت إسبانيا توقيع اتفاقية دفاعية مع تركيا لشراء 45 طائرة تدريب وهجومية من طراز “هُرجيت”، بقيمة 3.1 مليار يورو، على أن يبدأ التسليم عام 2028.

وتمثل هذه الصفقة علامة فارقة في العلاقات الدفاعية بين أنقرة ومدريد، إذ تعد أول اعتماد أوروبي كامل على منظومة جوية تركية، وتعكس تحولًا محتملًا في موازين القوة الدفاعية والصناعية بالقارة الأوروبية، مع تأثيرات محتملة على توازنات التدريب الجوي ومسار التعاون العسكري بين الدول الأوروبية.

تأتي الصفقة ضمن برنامج النظام المتكامل للتدريب، لاستبدال أسطول F-5 القديم وتطوير منظومة التدريب الجوي الإسباني، متضمنًا طائرات، محاكاة رقمية، دعم لوجستي وبنية تدريبية ذكية للمهام الدفاعية والهجومية.

دعم اقتصادي وفرص صناعية جديدة

وقالت وزارة الصناعة الإسبانية إنه تم تخصيص ميزانية أولية بقيمة 1.04 مليار يورو لدعم الإنتاج والتطوير خلال السنوات الخمس الأولى، مع توقع خلق نحو 2600 وظيفة، منها 800 مباشرة.

وأوضحت أن هذه الاستثمارات ستفتح آفاقًا لتعزيز القدرات الدفاعية الإسبانية وتطوير بنيتها التكنولوجية، مع فرص تعاون صناعي مشترك مع تركيا في مجالات الإلكترونيات وأنظمة المحاكاة، ما يمنح الصفقة بعدًا اقتصاديًا واستراتيجيًا يتجاوز مجرد تحديث الأسطول الجوي.

هُرجيت.. مقاتلة تركية تدخل أوروبا من بوابة مدريد

تعد “هُرجيت” أول طائرة تدريب نفاثة تركية يتم تطويرها محليًا بالكامل، صممت لتلبية احتياجات التدريب المتقدم والمهام القتالية الخفيفة.

وتتميز بأنظمة رقمية حديثة وقدرات تشغيل متعددة، ما يجعلها منصة تدريب وعمليات خفيفة متكاملة، ويسهل دمجها في المنظومة الجوية الإسبانية الحالية.

جدل داخلي وتحول في أولويات مدريد الدفاعية

رغم دعم الحكومة الإسبانية للصفقة، أثار الجانب العسكري جدلًا حول ارتفاع تكلفتها البالغة 3.1 مليار يورو، وتساؤلات حول مدى مناسبتها لتعزيز قدرات سلاح الجو.

كما أبدى بعض الخبراء تحفظات على الاعتماد على التكنولوجيا التركية للطائرة “هُرجيت”، نظرًا لأنها ما تزال في مراحل التطوير اللوجستي، مقارنة بالخيارات الأخرى مثل الطائرة الإيطالية M-346 التي كانت مفضلة سابقًا.

ومع ذلك، ترى الحكومة أن الصفقة خطوة استراتيجية لتعزيز التدريب الجوي وتقليل الاعتماد على الأنظمة الأمريكية المكلفة، بما يوازن بين الابتكار وكفاءة الإنفاق الدفاعي.

خطوة نوعية لترسيخ الدور التركي داخل الناتو والسوق الأوروبية

وقال الباحث في الشؤون التركية أحمد شهدي، في حديث خاص لـ”داي نيوز”، أن توقيع الصفقة الدفاعية بين أنقرة ومدريد يعكس نقلة نوعية في مسار الصناعات الدفاعية التركية، ويُجسد مرحلة جديدة من حضور تركيا في السوق الأوروبية والعالمية.

وأوضح شهدي أن الاتفاق يعد أول تصدير تركي لطائرة مقاتلة تفوق سرعة الصوت إلى دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، ما يجعلها علامة فارقة في سجل الصناعات الدفاعية التركية، ويؤكد ثقة أوروبا في التكنولوجيا العسكرية التركية.

وأضاف أن الصفقة تفتح الباب أمام إدماج طائرة “هُرجيت” في أساطيل الدول الأوروبية، وتعزز موقع تركيا في سوق الطيران الدفاعي الإقليمي.

وأشار الباحث إلى أن أنقرة تسعى من خلال هذه الاتفاقية إلى ترسيخ موقعها كمصدر رئيسي للسلاح داخل الناتو والاتحاد الأوروبي، خصوصًا بعد أن أثبتت قدراتها في مجال الطائرات المسيرة.

واعتبر أن دخول طائرة “هُرجيت” إلى أوروبا يمثل قفزة نوعية توصل تركيا إلى مرحلة تصدير الطائرات المأهولة لحلفائها في الناتو، بعد نجاحها في فرض حضورها عالميًا عبر المسيرات المسلحة.

وأضاف شهدي أن إسبانيا تخطط لاعتماد “هُرجيت” كجزء أساسي من منظومة تدريب الطيارين بحلول عام 2030، ما قد يمهد لتوسع الصادرات الدفاعية التركية داخل أوروبا.

وأوضح أن التعاون بين البلدين يعزز مكانة تركيا كقوة إقليمية صاعدة، ويوجه رسالة واضحة إلى الحلفاء الأوروبيين بإمكانية بناء شراكات دفاعية متقدمة مع أنقرة.

وفيما يتعلق بالرسائل الإقليمية، أكد شهدي أن كل اتفاقية دفاع تبرمها تركيا مع دولة أوروبية ذات ثقل مثل إسبانيا، ترسل إشارة لجيرانها بأنها لم تعد في موقع دفاعي محدود، بل تسعى إلى امتلاك “ظل قوة” إقليمي أكبر، خصوصًا في شرق المتوسط.

ولفت شهدي إلى أن اليونان تتابع هذا التعاون بقلق متزايد، إذ ترى بعض الأوساط اليونانية أن التحالف التركي الإسباني يشكل توازنًا جديدًا أمام محور اليونان–فرنسا–إسرائيل.

أما من الجانب الإسباني، فرأى شهدي أن الصفقة تعكس توجه مدريد نحو تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، خاصة بعد القيود التكنولوجية وارتفاع تكاليف الصيانة المرتبطة بالمقاتلات الأمريكية.

وأوضح أن إسبانيا ألغت خطة شراء طائرات F-35 وتبدي اهتمامًا بالمقاتلة التركية من الجيل الخامس “قآن”، في خطوة تظهر رغبتها في انتهاج مسار دفاعي أكثر استقلالية واستراتيجية، حتى وإن اصطدم ذلك بضغوط واشنطن.

الاتفاق الدفاعي يعكس تحولًا براجماتيًا في سياسة أوروبا تجاه أنقرة

وفي السياق ذاته، أكدت  رئيس مركز “أون ريسيرش” للبحوث العلمية والاستشارات والباحثة في العلاقات الدولية والتنظيم الدولي، الدكتورة شيماء سمير  أن الصفقة العسكرية بين تركيا وإسبانيا تمثل تحولًا جيوسياسيًا لافتًا داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إذ تعزز من دور الدول الجنوبية في الحلف على حساب الهيمنة التقليدية للدول الشمالية، بما قد يحدث تغييرًا ملحوظًا في توازن القوى الداخلي.

وقالت سمير، في حديث خاص لـ”داي نيوز”، إن هذه الخطوة تأتي في وقت يشهد فيه الحلف توترات متزايدة بين بعض أعضائه حول الموقف من أنقرة، ما يجعل الصفقة اختبارًا حقيقيًا لتماسك الناتو وقدرته على استيعاب المصالح المتباينة لأعضائه، مشيرةً إلى أنها قد تثير تحفظات من دول مثل قبرص واليونان، وهو ما قد يعمق الانقسامات القائمة داخل الحلف.

وأضافت أن الصفقة تبرز تحولًا واضحًا في السياسة الدفاعية الإسبانية، إذ تسعى مدريد إلى لعب دور أكبر في حوض البحر المتوسط كمحاولة لموازنة النفوذ الفرنسي التقليدي في المنطقة.

وترى الباحثة في العلاقات الدولية أن هذه الخطوة تأتي في إطار استراتيجية أوسع لتنويع الشركاء الإقليميين، وربما لإعادة موازنة الاعتماد على الغاز الجزائري من خلال شراكة استراتيجية مع تركيا، بما يوسع من النطاق الجيوسياسي الإسباني التقليدي.

وأشارت سمير إلى أن الاتفاق قد يمهد الطريق لشراكة أعمق بين أنقرة ومدريد، خصوصًا في مجالات الطاقة والدفاع والسياحة. لكنها حذرت من أن خلافات حول قضية قبرص وملفات حقوق الإنسان قد تمنع تحولها إلى تحالف استراتيجي كامل.

وفي ما يتعلق بانعكاسات الصفقة على علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي، أوضحت سمير أن الخطوة قد تمثل قناة اتصال غير مباشرة لتطبيع العلاقات المتوترة بين أنقرة والاتحاد، مع إمكانية أن تلعب إسبانيا دور الوسيط في تقريب وجهات النظر.

كما رجحت أن تدفع الصفقة الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم سياسته تجاه تركيا، وربما تشجع بعض الدول الأوروبية على تطوير علاقات ثنائية مستقلة معها، بما قد يؤدي إلى تفكك الموقف الأوروبي الموحد حيال أنقرة.

واختتمت الباحثة حديثها بأن الصفقة تعكس تحولًا براجماتيًا في النظرة الأوروبية لتركيا، قائمًا على المصالح المشتركة، مضيفة إنها تظهر تركيا كشريك ضروري رغم الخلافات الاستراتيجية، وتمثل تحولًا تكتيكيًا داخل توازنات القوة القائمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى