واشنطن تقترح إزالة عقوبات الأمم المتحدة عن الرئيس السورى أحمد الشرع

في خطوة تعكس تغييراً جذرياً في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا، قدمت الولايات المتحدة مشروع قرار إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يسعى إلى إنهاء العقوبات المفروضة على الرئيس السوري أحمد الشرع، في الوقت الذي يستعد فيه الشرع لزيارة البيت الأبيض للقاء الرئيس دونالد ترامب يوم الاثنين المقبل.
يأتي هذا الاقتراح، الذي اطلعت عليه وكالة “رويترز” أمس الثلاثاء، في سياق جهود واشنطن المستمرة منذ أشهر لتخفيف الضغوط الاقتصادية على دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد، مما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين.
يشمل مشروع القرار، الذي صيغته الولايات المتحدة، رفع العقوبات الدولية عن الرئيس أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم أبو محمد الجولاني، وعن أنس خطاب، وزير الداخلية في الحكومة السورية الجديدة.
هذه العقوبات، التي تشمل حظراً على السفر وتجميداً للأصول وحظراً على تصدير الأسلحة، كانت مفروضة على الشرع بصفته قائداً لهيئة تحرير الشام (HTS)، الجماعة المصنفة إرهابية منذ عام 2014 كجناح سابق لتنظيم القاعدة في سوريا.
لم يتم تحديد موعد دقيق للتصويت على المشروع حتى الآن، لكنه يتطلب موافقة 9 أعضاء على الأقل من أصل 15 في مجلس الأمن، مع عدم استخدام أي من الأعضاء الدائمين – الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، أو بريطانيا – لحق الفيتو.
وفقاً لدبلوماسيين، تم تعديل المشروع مؤخراً ليكون أقصر وأسرع في التنفيذ، بهدف ضمان إزالة اسم الشرع من قائمة العقوبات التابعة لقوائم داعش والقاعدة قبل زيارته المرتقبة إلى واشنطن بين 8 و11 نوفمبر.
رغم ذلك، منحت لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن استثناءات سفر للشرع عدة مرات هذا العام، مما يعني أنه من المحتمل أن يتمكن من إجراء الزيارة حتى لو تأخر اعتماد القرار.
هذا الإجراء يعزز من الثقة بين الجانبين، خاصة بعد تقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو أكد عدم وجود “علاقات نشطة” بين هيئة تحرير الشام وتنظيم القاعدة هذا العام، مما يدعم حجة واشنطن بأن الشرع لم يعد يشكل تهديداً أمنياً.
جاء سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي بعد حرب أهلية استمرت نحو 14 عاماً، أودت بحياة أكثر من 600 ألف شخص وشردت 13 مليون آخرين، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
قاد الشرع، عبر هيئة تحرير الشام، هجوماً خاطراً أطاح بالأسد، مما حوّل الجماعة من تنظيم إرهابي إلى قوة سياسية رئيسية في سوريا. قطعت HTS علاقاتها مع القاعدة في 2016، ومنذ ذلك الحين، ركزت على بناء حكومة انتقالية تركز على الاقتصاد والأمن.
من جانبها، أعلنت إدارة ترامب في مايو عن تحول كبير في السياسة الأمريكية، حيث أمر برفع معظم العقوبات الأمريكية المباشرة على سوريا بعد لقاء مع الشرع في الرياض بدعوة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
كان ذلك اللقاء، الذي حضره أيضاً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الهاتف، خطوة تاريخية، حيث أنهى عقوداً من العزلة الدبلوماسية التي بدأت في 1979.
اقترح ترامب خلال اللقاء على الشرع خطوات مثل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، طرد “الإرهابيين الأجانب والفلسطينيين”، ومساعدة الولايات المتحدة في منع عودة داعش، وفقاً لبيان البيت الأبيض.
وفي سبتمبر، جدد الشرع نداءه خلال قمة كونكورديا على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، قائلاً إن “العقوبات كانت مفروضة على النظام السابق بسبب جرائمه، وهذا النظام انتهى”، مشدداً على أن رفعها سيساعد في إعادة بناء الاقتصاد السوري الذي يعاني من فقر يطال 90% من السكان.
ينظر إلى هذا الاقتراح كفرصة لإعادة إعمار سوريا، حيث يُتوقع أن يعزز التعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب واستقرار الشرق الأوسط.
ومع ذلك، أثار قلق بعض الدول والمنظمات بشأن حقوق الأقليات تحت حكم الشرع السابق الجهادي، مع مطالبات من بعض النواب الأمريكيين – جمهوريين وديمقراطيين – بتضمين شروط إضافية في قانون الدفاع الوطني لضمان التقدم في هذه المجالات.
في الوقت نفسه، يشكل اللقاء المرتقب في البيت الأبيض أعلى مستوى اتصال بين واشنطن ودمشق منذ عقود، وقد يؤدي إلى صفقة أوسع تشمل رفع المزيد من العقوبات ودعم اقتصادي.
يرى محللون أن هذا التحالف قد يغير توازن القوى في المنطقة، خاصة مع دعم تركيا والسعودية، لكنه يثير تساؤلات حول مصير الجماعات المدعومة إيرانياً التي تم طردها سابقاً.
بهذه الخطوة، تؤكد الولايات المتحدة التزامها بـ”سوريا الجديدة”، محولة صفحة من العقوبات إلى الشراكة، في محاولة لاستعادة نفوذها في قلب الشرق الأوسط وسط تحديات إقليمية معقدة.



