زهران ممداني معارض ترامب يفوز برئاسة نيويورك.. أول رئيس بلدية مسلم

في حدث يُسجل صفحة جديدة في تاريخ السياسة الأمريكية، أعلنت شبكات إعلامية رئيسية مثل “إن بي سي” و”سي إن إن” و”سي بي إس”، الثلاثاء 4 نوفمبر 2025، عن فوز المرشح الديمقراطي التقدمي زهران ممداني برئاسة بلدية نيويورك، استنادًا إلى النتائج الأولية الصادرة عن مجلس انتخابات المدينة.
يأتي هذا الإعلان بعد حملة انتخابية حافلة بالحماس والجدل، حيث سيُصبح ممداني، البالغ من العمر 34 عامًا، أول مسلم يتولى قيادة أكبر مدن الولايات المتحدة، كما أنه الأصغر سنًا في المنصب منذ أكثر من قرن، وأول شخص من أصول جنوب آسيوية يحقق هذا الإنجاز.
خلفية المرشح الفائز: من نائب برلماني إلى قائد مدينة
ولد زهران كوامي ممداني في أوغندا لأب هو الأكاديمي البارز محمود ممداني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا، وأم هي المخرجة السينمائية الشهيرة ميرا ناير.
نشأ ممداني في نيويورك، حيث يعيش حاليًا في حي أستوريا بمقاطعة كوينز مع زوجته الفنانة راما دواجي. منذ عام 2021، يمثل ممداني مقاطعة أستوريا وأحياء مجاورة كعضو في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك، حيث اشتهر بمواقفه اليسارية الاشتراكية الديمقراطية، خاصة في قضايا العدالة الاجتماعية والدعم للفلسطينيين.
بدأ ممداني حملته الانتخابية الرئاسية في الخريف الماضي كمرشح غير معروف نسبيًا، لكنه سرعان ما جذب آلاف الناخبين ببرنامجه الذي ركز على “القدرة على التحمل” في مدينة تعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة الفاحشة.
وعد بتجميد إيجارات الوحدات المستقرة، توفير خدمة حافلات مجانية، إنشاء متاجر بقالة مملوكة للمدينة في كل مقاطعة، ورفع الحد الأدنى للأجور.
هذه الوعود، إلى جانب جولاته الحيوية عبر المدينة، ساهمت في إشعال حماس الشباب والتقدميين، مما جعله يفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في يونيو الماضي بفارق كبير.
المنافسة الانتخابية
واجه ممداني في السباق النهائي خصمين بارزين: أندرو كومو، الحاكم السابق لولاية نيويورك البالغ 67 عامًا، الذي خاض الانتخابات كمرشح مستقل بعد خسارته الترشيح الديمقراطي، وكورتيس سليوا، المرشح الجمهوري ورئيس منظمة حراس الجيران.
كومو، الذي يدعمه بعض ملاك العقارات الأثرياء وجهات الأعمال، حاول استغلال خبرته الطويلة، لكنه واجه صعوبات بسبب فضائح سابقة، بما في ذلك اتهامات بالتحرش الجنسي التي أدت إلى استقالته عام 2021، وانتقادات حول إدارته للوباء في دور الرعاية الصحية.
أما الرئيس الحالي دونالد ترامب، فقد أصبح ممداني هدفًا لانتقاداته الشرسة، حيث وصفه بـ”الشيوعي” وهدد بقطع التمويل الفيدرالي للمدينة إذا فاز.
رغم ذلك، حول ممداني هذه الهجمات إلى وقود لحماسته، محولاً نفسه إلى صوت معارض قوي لإدارة ترامب. النتائج الأولية، مع احتساب نحو 80% من الأصوات، أظهرت تقدم ممداني بنسبة تزيد عن 50%، متفوقًا على كومو بحوالي 9 نقاط، بينما جاء سليوا في المركز الثالث بفارق كبير.
الرئيس البلدية الحالي إريك آدامز، الذي انسحب من السباق في سبتمبر ودعم كومو، لم يتمكن من التأثير على النتيجة.
الاحتفال بالفوز: رسالة أمل وتحدٍّ
في خطاب النصر الذي ألقاه في مسرح بروكلين بارامونت، حيث تجمع آلاف المؤيدين في أجواء صاخبة، أكد ممداني أن “نيويورك ستصبح النور” في مواجهة “قوى الأوليغارشية والاستبداد”.
استشهد بكلمات الاشتراكي الأمريكي يوجين ديبس والحاكم السابق ماريو كومو (أب أندرو)، وقال: “المدينة هذه ملك لكم”، مشددًا على أن الأمل حيّ وأن الناخبين قد أجابوا على مخاوف العصر الحالي.
كما نقل اقتباسًا شهيرًا من جواهر لال نهرو، رئيس الوزراء الهندي السابق، ليؤكد على انتقال العصر الجديد.
في رسالة مباشرة إلى ترامب، رفع ممداني مستوى الصوت قائلًا “رفعوا الصوت”، في إشارة إلى مقاومة سياساته.
وصف إيلون ماسك ممداني بـ”المحتال الكاريزمي” الذي سيؤدي سياساته إلى “انهيار كارثي في مستويات المعيشة”، بينما وصف ترامب النتيجة بـ”كارثة اقتصادية واجتماعية كاملة”.
ومع ذلك، يرى الداعمون في فوز ممداني إلهامًا عالميًا، خاصة للشباب والأقليات، حيث يُعتبر انتصارًا للتقدميين في وجه التحديات الاقتصادية والسياسية.
تولي المنصب وتوقعات التحديات
سيُؤدي ممداني اليمين الدستورية كرئيس بلدية نيويورك الـ111 في 1 يناير 2026، ليواجه تحديات هائلة مثل ارتفاع الإيجارات، الإسكان، والتوترات الاجتماعية.
يعد بانتظار المدينة حقبة من الإصلاحات الجريئة، لكن النقاد يحذرون من هروب الشركات وزيادة الضرائب والجريمة، مشبهينها بفترة بيل دي بلاسيو السابقة.
مع ذلك، يرى الكثيرون في ممداني رمزًا للتغيير، حيث يُعيد تشكيل صورة نيويورك كمدينة متنوعة وتقدمية، وسط موجة من الانتصارات الديمقراطية الأخرى عبر البلاد، مثل فوز أبيغيل سبانبرغر بحكمة فرجينيا وميكي شيريل في نيوجيرسي.
هذا الفوز ليس مجرد نتيجة انتخابية، بل لحظة تاريخية تعكس تحولات اجتماعية عميقة في قلب الرأسمالية العالمية، وتُلهم أجيالاً قادمة بقصة صعود شاب مهاجر إلى قمة السلطة.



