مقالات

المشهد الجيوسياسي المتغيّر… وقوة الردع الدفاعي الباكستانية

بقلم: حافظ بلال بشير

يشهد جنوب آسيا مرة أخرى تصاعدًا في التوترات الإقليمية، مع دخول الدول المنافسة سباقًا محمومًا لإعادة رسم موازين القوى. فبينما يلف الغموض مناطق تمتد من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى، تتزايد الأنشطة العسكرية في الهند وباكستان ودول الجوار، ما يعيد إلى الواجهة سؤال الاستقرار في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسيةً من الناحية النووية.

مناورات هندية ورسائل استراتيجية

في هذا السياق، بدأت الهند مناورات عسكرية واسعة النطاق في منطقة “سير كريك” الحدودية مع إقليم السند الباكستاني، تمتد حتى 10 نوفمبر الجاري، تحت اسم “تريشول”، بمشاركة القوات البرية والبحرية والجوية في آن واحد.
هذه التدريبات، رغم طابعها المعلن كمناورات اعتيادية، تحمل في جوهرها رسائل سياسية واضحة، إذ تعكس رغبة نيودلهي في استعراض القوة وإعادة ترسيم خطوط الردع في وجه خصومها، وعلى رأسهم باكستان.

الرد الباكستاني: جاهزية متصاعدة

في المقابل، أظهرت القوات المسلحة الباكستانية، وخصوصًا البحرية، يقظة عالية واستعدادًا متزايدًا. فقد قام قائد البحرية، الأدميرال نويد أشرف، بزيارة ميدانية إلى الخطوط الأمامية في منطقة “كريك”، حيث تفقد مستوى الجاهزية القتالية وأشرف على انضمام ثلاثة زوارق هوفر كرافت متطورة من طراز 2400 TD إلى الأسطول البحري.
وتُعد هذه المنصات الحديثة إضافة نوعية، إذ تعمل بكفاءة في المياه الضحلة والمناطق الرملية والمستنقعية، ما يمنح القوات البحرية مرونة ميدانية عالية في المناطق الساحلية المعقدة.

وأكد الأدميرال أشرف أن هذه الخطوة تجسّد التزام باكستان بتحديث دفاعاتها البحرية وفق أحدث المعايير، مشيرًا إلى أن حماية الممرات البحرية ليست مجرد ضرورة عسكرية، بل هي ركيزة أساسية للسيادة الوطنية والأمن الاقتصادي. وأضاف قائلًا: “من سر كريك إلى جويني، نحن نعرف كيف نحمي حدودنا البحرية، فقوتنا الدفاعية صلبة كإيماننا بعقيدتنا الوطنية.”

تطور القدرات الدفاعية الشاملة

لم تعد البحرية الباكستانية قوة تقليدية كما كانت في السابق، إذ نجحت في السنوات الأخيرة في تعزيز قدراتها من خلال منظومات كروز متقدمة، وأسلحة مضادة للسفن، وأنظمة حرب إلكترونية واستطلاع حديثة، ما منحها دقة أعلى في إصابة الأهداف البعيدة.
وفي الوقت ذاته، عززت القوات الجوية مكانتها كقوة ردع إقليمي معتبرة بعد نجاحاتها في العمليات الأخيرة، ولا سيما في معركة “بنيان مرصوص”، حيث أثبتت قدرتها على مجاراة التفوق التقني الهندي. فقد أتاحت ترقيات الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي، إلى جانب تطور مقاتلات JF-17، تحقيق توازن استراتيجي يحظى باعتراف واسع حتى من القوى الكبرى.

أما القوات البرية، فتمتلك من الخبرة والتجهيز ما يجعلها قادرة على التحرك الفوري في مواجهة أي تهديد على الجبهتين الشرقية والغربية، مستفيدة من تاريخ طويل من المواجهات الميدانية والتدريب المستمر.

توازن الردع وروح الجندية

ورغم ما تمتلكه الهند من ترسانة متطورة، فإن التفوق الباكستاني لا يُقاس بعدد الأسلحة فحسب، بل بروح الجندية والعقيدة القتالية والانضباط، إلى جانب التكامل بين القوات الثلاث: البرية والبحرية والجوية. هذا المزيج الفريد من التكنولوجيا والإيمان والانتماء يخلق توازنًا استراتيجيًا حقيقيًا يعزز موقع باكستان في المشهد الجيوسياسي الإقليمي.

وفي ظل التحولات الدولية الراهنة، تظل الرسالة الأوضح من إسلام آباد أن الأمن القومي لا يُدار بردود الأفعال، بل بالجاهزية الدائمة والإيمان بالقدرة على الصمود. فالقوة الدفاعية الباكستانية، كما وصفها كاتب المقال، “ليست سلاحًا في يد جيشٍ فقط، بل درعًا في يد أمةٍ تعرف قيمتها وموقعها في معادلة العالم”.

بقلم: حافظ بلال بشير، الكاتب والخبير الأمني والاستراتيجي الباكستاني

جميع الآراء الواردة في المقالة تعود إلى الكاتب وليس بالضرورة تعبر عن آراء موقع داي نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى