اقتصاد وتكنولوجيا

كاساندرا كاسكيد: كيف صُنّع الخوف من الذكاء الاصطناعي؟

يشهد العالم اليوم تصاعدًا لافتًا في موجة “صناعة التشاؤم” حول الذكاء الاصطناعي، إذ أصبحت نغمة التحذير من الانهيار التكنولوجي أو “الفقاعة القادمة” مادة يومية في الإعلام المالي والتقني.

يُعيد المنتقدون استحضار قصص الماضي مثل “فقاعة بحر الجنوب” و”هوس السكك الحديدية” و”انهيار الإنترنت”، لتبرير قناعتهم بأن الذكاء الاصطناعي يسير نحو المصير ذاته. غير أن هذا التشبيه التاريخي المتكرر يعكس عجزًا عن فهم حجم التحول الحقيقي الجاري في العالم الرقمي اليوم.

في المقابل، يصف الكاتب نيلش جاساني هذه الظاهرة بأنها “تصنيع للخوف من الذكاء الاصطناعي”، حيث يُعاد تدوير التاريخ لخدمة فرضيات مسبقة بدلًا من قراءته لفهم الحاضر.

ويشير إلى أن المتشائمين يستخدمون التاريخ كـ”منزل مسكون بأشباح الفشل”، بينما يتجاهلون أن كل ثورة تكنولوجية — من الهاتف إلى الإنترنت — واجهت موجات مماثلة من الإنكار وسوء التقدير قبل أن تُغير شكل العالم.

يستحضر جاساني أمثلة كلاسيكية مثل تصريح كين أولسن عام 1977 حين قال: “لا حاجة لأي شخص لامتلاك كمبيوتر في منزله”، وكيف تجاهلت شركات كبرى مثل IBM وDEC التحولات الناشئة فدفعت ثمن ذلك لاحقًا.

الخطأ ذاته يتكرر اليوم — فالعديد من النقاد يقللون من شأن الذكاء الاصطناعي التوليدي ويصفونه بأنه “ببغاء إحصائي”، متجاهلين تسارع تبنيه على مستوى البنية التحتية الرقمية العالمية. فبين عامي 2022 و2024، ارتفعت معالجة الرموز في محركات الذكاء الاصطناعي إلى 1.4 كوادريليون رمز شهريًا لدى “غوغل” وحدها، في قفزة غير مسبوقة تاريخيًا.

ويرى الكاتب أن الخطأ الأكبر يكمن في مقارنة التطبيقات الحالية للذكاء الاصطناعي بمحدودية التقنية المستقبلية.

فكما لم تُظهر الهواتف الأولى إمكانات الإنترنت، ولم تكشف السيارات الأولى عن عصر التنقل الحديث، فإن النماذج الحالية ليست سوى الخطوة الأولى نحو طبقة فكرية جديدة ستعيد تعريف طريقة التفكير والإنتاج العلمي والقانوني والطبي والبرمجي.

الذكاء الاصطناعي — بحسب جاساني — ليس أداة مؤقتة، بل بنية تحتية فكرية ستعيد صياغة طريقة البشر في العمل والاكتشاف.

ويختم الكاتب تحليله بدعوة إلى تجاوز الخوف التاريخي من الابتكار، معتبرًا أن رفض الذكاء الاصطناعي لمجرد أخطائه الحالية يُشبه رفض محرك الاحتراق الداخلي لأن أولى السيارات تعطلت تحت المطر.

الخطر الحقيقي لا يكمن في المبالغة في الثقة بالتقنية، بل في الفشل في تخيّل المستقبل — وهو فشل قد يجعل الشركات والدول التي تتجاهل التحول التكنولوجي اليوم، مجرد “أشباح” في كتب التاريخ غدًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى