أخبار مصر

رمسيس الثاني يرحب بالعالم من قلب المتحف المصري الكبير

في لحظة تاريخية مجيدة، يقف تمثال الملك رمسيس الثاني الضخم من الجرانيت الوردي في البهو الرئيسي للمتحف المصري الكبير، جاهزاً لاستقبال الزوار مع الافتتاح الرسمي في الأول من نوفمبر.

هذا التمثال، الذي نقل مؤخراً من ميدان شهير في القاهرة يحمل اسمه، ليس مجرد قطعة أثرية، بل رمز حي للعظمة العسكرية المصرية القديمة، خاصة في ذروتها خلال معركة قادش الخالدة.

يأتي افتتاح المتحف، الذي يُعتبر أكبر صرح أثري عالمي بمساحة تصل إلى 490 ألف متر مربع ويحتوي على أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، ليربط بين إنجازات الحضارة المصرية عبر آلاف السنين وبين الملحمة العسكرية التي خلدتها النقوش الفرعونية كأبرز انتصار في تاريخ الشرق الأوسط القديم. فالمتحف لا يروي قصة الحجر والنيل فقط، بل يبرز شجاعة الجيش المصري الذي أرعب الإمبراطوريات المجاورة.

 إنجازات رمسيس الثاني العسكرية البارزة

مع اقتراب الافتتاح الذي يحضره الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى جانب 79 وفداً رسمياً من دول العالم، يعود الزمن إلى عام 1274 قبل الميلاد، حيث اندلعت معركة قادش – أول معركة موثقة بدقة في التاريخ – في مدينة قادش السورية على ضفاف نهر العاصي. كان رمسيس الثاني، الفرعون الذي حكم لمدة 66 عاماً وأطلق على نفسه لقب “الملك العظيم”، يقود حملة هائلة لاستعادة سيطرة مصر على بلاد الشام بعد سيطرة الحيثيين بقيادة الملك مواتالي الثاني عليها.

بلغت قوات رمسيس نحو 20 ألف جندي، مقسمة إلى أربع فرق رئيسية سميت بأسماء الآلهة: آمون، رع، بتاح، وست، بالإضافة إلى وحدات مساعدة من العرب وشعوب البحر الشاردانية. شمل الجيش مشاة مدرعين بدرع برونزي، وعربات حربية سريعة تجرها خيول مدربة، مما يعكس تقدماً عسكرياً متقدماً في ذلك العصر.

 الكمين الحيثي والدفاع البطولي

بدأت الدراما الحقيقية عندما انفصلت فرقة آمون، التي يقودها رمسيس بنفسه، عن باقي الجيش، فسقط في كمين مدبر من الحيثيين الذين بلغ عددهم حوالي 15 ألف مقاتل مع 2500 عربة حربية.

وفقاً للنقوش في معابد الأقصر وأبو سمبل، التي تسرد الأحداث من المنظور المصري، وصف رمسيس موقفه قائلاً: “كنت وحدي، بدون أحد إلى جانبي”. لكنه، بفضل شجاعته الشخصية وما اعتبره تدخلاً إلهياً، نظم دفاعاً سريعاً، استدعى الفرق المتبقية، وشن هجوماً مضاداً بعرباته التي اجتاحت العدو كالعاصفة، مما أدى إلى تدمير جزء كبير من قوات الحيثيين وإجبارهم على التراجع.

لم تكن المعركة انتصاراً كاملاً، إذ احتفظ الحيثيون بقادش، لكنها أوقفت زحفهم وأعادت التوازن الإقليمي، ممهدة الطريق لأول معاهدة سلام مكتوبة في التاريخ عام 1258 قبل الميلاد، بين رمسيس وابن الملك الحيثي حاتوشيلي الثالث. تحفظ نسخة من هذه المعاهدة في مقر الأمم المتحدة كرمز للسلام الأول في التاريخ.

 تفوق الجيش المصري وقيادة رمسيس الميدانية

تكشف المعركة عن براعة الجيش المصري في عصر الأسرات الحديثة، مع تنظيم هرمي دقيق، تدريب مكثف، وابتكارات مثل العربات السريعة الدوران والأقواس المركبة.

كان رمسيس قائداً ميدانياً حقيقياً يقاتل في الصفوف الأولى، مما ألهم جنوده وجعله نموذجاً للقيادة العسكرية. هذا الإرث يتجاوز الحرب، إذ ساهمت سيطرة مصر على طرق التجارة من النيل إلى الفرات في عصر ذهبي من البناء والفنون.

في المتحف المصري الكبير، الذي يضم أكثر من نصف مجموعات المتحف القديم في التحرير وأكثر من 50 ألف قطعة معروضة، سيجد الزوار آثاراً مباشرة لهذه العظمة، بدءاً من تمثال رمسيس العملاق وصولاً إلى التماثيل والنقوش الأخرى. يقف التمثال في البهو كحارس خالد، يدعو الزوار لاستكشاف قصة انتصار قادش وإرث يتخطى الزمن.

مع فتح الأبواب، لن يدخل الزوار مجرد متحف، بل عالماً مليئاً بالملاحم التاريخية، يبدأ بقادش ويمتد إلى حضارة تستمر في صنع التاريخ.

Mariam Hassan

مريم حسن كاتبة وصحفية متخصصة في الشأن الهندي ـ الباكستاني و جنوب شرق آسيا خبرة سنتين في مجال العمل الصحفي والإعلامي. أماكن العمل : داي نيوز الإخباري. أعمل على ترجمة وتحرير الأخبار والتقارير الصحفية المتنوعة. تحليل و دراسة التحولات السياسية والتهديدات الأمنية في آسيا وانعكاساتها على الأمن القومي المصري والعربي. متابعة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، وتحليل سياسات القوى الإقليمية وأنماط التحالفات بين جنوب آسيا والشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى