توتر متصاعد بين موسكو وطوكيو.. سلام مؤجل بإرادة روسية
كتب: إسلام ماجد
تصاعدت حدة التوتر بين روسيا واليابان بعد تصريحات روسية جديدة أكدت فيها وزارة الخارجية أن أي حوار بشأن معاهدة سلام رسمية لن يبدأ إلا إذا تخلت اليابان عن ما وصفته روسيا بـ “الموقف المعادي والمؤذي لمصالحها”.
ويعيد هذا التصريح العلاقات بين البلدين إلى دائرة الجمود الدبلوماسي المستمرة منذ عقود.
ففي ختام الحرب العالمية الثانية، سيطر الجيش السوفييتي على أربع جزر تقع شمال اليابان قبالة جزيرة هوكايدو، تعرف في روسيا باسم جزر الكوريل، وفي اليابان باسم الأراضي الشمالية.
ومنذ ذلك الحين بقيت هذه الجزر تحت السيطرة الروسية لتصبح محور نزاع مستمر يعرقل التوصل إلى معاهدة سلام تنهي رسميا حالة الحرب بين البلدين.
تاكاييتشي تهاجم روسيا وتتمسك بالسلام
وفي خطاب حديث لرئيسة الوزراء اليابانية الجديدة، ساناي تاكاييتشي، وجهت انتقادات حادة لروسيا بسبب ما وصفته بـ “عدوانها على أوكرانيا”، لكنها أكدت في الوقت ذاته تمسك اليابان بسياسة الحوار مع موسكو لحل قضية الأراضي المتنازع عليها والتوصل إلى اتفاق سلام يطوي صفحة الماضي.
اقرأ أيضاً:روسيا تجري اختبارا لصاروخ يعمل بالطاقة النووية
في المقابل، ردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قائلة إنها لم تلحظ أي جديد في تصريحات تاكاييتشي، مضيفة أن الطريق لاستئناف الحوار لن يُفتح إلا بعد أن تتخلى طوكيو فعلياً عن سياستها “المعادية لروسيا”، والتي ترى موسكو أنها تستهدف الإضرار ببلادها وشعبها.
وأكدت زاخاروفا أن النهج العدائي الحالي هو خيار ياباني ، وليس قراراً روسياً.
نزاع جزر الكوريل.. عقدة تاريخية مستمرة
العلاقات بين البلدين عرفت تاريخاً حافلاً بالصراعات، إذ تعود جذور الخلافات إلى أوائل القرن العشرين، عندما خاضت اليابان وروسيا حرباً عام 1904 انتهت بهزيمة موسكو وإغراق معظم أسطولها البحري. كما شهدت المرحلة اللاحقة تدخلات عسكرية يابانية في الشرق الأقصى الروسي خلال الحرب الأهلية هناك.
ومع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد هزيمة ألمانيا النازية، أعلن الاتحاد السوفييتي الحرب على اليابان وأرسل قواته للسيطرة على جزر الكوريل.
ليوقع البلدان لاحقاً في عام 1956 إعلاناً أنهى حالة الحرب بينهما دون التوصل إلى معاهدة سلام شاملة حتى اليوم.
وتستند روسيا في موقفها إلى اتفاق مؤتمر يالطا عام 1945، حيث ترى أن الولايات المتحدة وبريطانيا وافقتا على منح الاتحاد السوفييتي الجزر الجنوبية من الكوريل. بينما تصر اليابان على أن الجزر الأربع المتنازع عليها ليست جزءاً من جزر الكوريل، بل “الأراضي الشمالية” التي تم احتلالها بشكل غير قانوني، وترحيل نحو 17 ألف ياباني منها قسراً.
وترى اليابان أن هذه الجزر تمثل جزءاً أصيلاً من أراضيها، وأن سيطرة الاتحاد السوفييتي عليها تمثل خرقاً للقانون الدولي، في حين تصر موسكو على أن السيطرة تمت بموجب اتفاقات الحلفاء في نهاية الحرب.
ويُعد هذا النزاع من أقدم النزاعات الإقليمية التي لم تُحل حتى اليوم، مما جعله أحد أبرز العوائق أمام التوصل إلى معاهدة سلام نهائية بين البلدين.
مصالح اقتصادية تربط رغم التوتر السياسي
ورغم الخلافات السياسية الحادة، فإن العلاقات الاقتصادية لا تزال قائمة، إذ تمثل الإمدادات الروسية نحو 9 في المئة من واردات اليابان من الغاز الطبيعي المسال،كما تمتلك شركتا “ميتسوي” و”ميتسوبيشي” اليابانيتان حصصاً في مشروع الغاز الطبيعي المسال “سخالين-2” في أقصى الشرق الروسي، وهو ما يجعل من الصعب على طوكيو فرض حظر كامل على الغاز الروسي دون أن تتأثر احتياجاتها.
وخلال لقائها الأخير بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في طوكيو، أكدت تاكاييتشي أن فرض حظر على واردات الغاز الروسي سيكون خطوة معقدة وصعبة، في ظل احتياجات اليابان الطاقوية ومصالحها الاقتصادية المشتركة مع موسكو.
أبورمية: الحل بين روسيا واليابان يتطلب توازنًا وواقعية لإنقاذ العلاقات
في سياق التصعيد الأخير بين روسيا واليابان، أكّد الدكتور راشد صلاح أبورمية، الأستاذ بكلية الإعلام وفنون الاتصال بجامعة 6 أكتوبر، أنّ التوتر الحالي يعيد العلاقات بين البلدين إلى نقطة الصفر، بعد عقود من المحاولات الدبلوماسية التي لم تحقق أي نتائج ملموسة.
وأوضح أبورمية أنّ الشروط الروسية الجديدة، والمتمثلة في رفض بدء أي حوار رسمي قبل تخلي طوكيو عن ما تعتبره موسكو “مواقف معادية ومؤذية لمصالحها”، تمثل تشديدًا واضحًا في الموقف الروسي، وتعكس نهج الكرملين الصارم في التعامل مع الملفات الإقليمية والدولية، خصوصًا في ظل التوتر العالمي الناتج عن الحرب الأوكرانية.
وأشار إلى أنّ اليابان تواجه معادلة معقدة تجمع بين التزامها بالتحالفات الغربية والولايات المتحدة من جهة، واعتمادها الكبير على واردات الطاقة الروسية من جهة أخرى، مما يجعل موقفها السياسي والاقتصادي حرجًا على المستويين الداخلي والخارجي.
ولفت أبورمية إلى أنّ استمرار التناقض في المواقف اليابانية قد يُعيق أي تقدم في مفاوضات السلام المستقبلية بين البلدين، خاصة مع تصاعد الخطاب القومي المتشدد لدى الطرفين، وتزايد الضغوط الدولية على موسكو وطوكيو.
واختتم تصريحه بالتأكيد على أنّ الحلّ يتطلب رؤية أكثر توازنًا وواقعية، ترتكز على احترام المصالح المشتركة وتغليب لغة الحوار على الصراع، بما يضمن استقرار المنطقة وعودة العلاقات الثنائية إلى مسارها الطبيعي.
من جانبه، يرى أحمد ماجد، الباحث في الشأن السياسي والدولي، أن التصعيد الأخير بين موسكو وطوكيو يعيد العلاقات بين البلدين إلى مربع التوتر التاريخي، في ظل تمسك كل طرف بموقفه من قضية جزر الكوريل.
وأوضح ماجد أن اشتراط روسيا تخلي اليابان عن ما وصفته بـ”المواقف المعادية” قبل استئناف أي حوار للسلام، يعكس رغبة الكرملين في فرض واقع سياسي جديد يُكرّس نفوذ موسكو في الشرق الأقصى ويجعل من ملف الجزر ورقة ضغط استراتيجية بيده.



