اقتصاد وتكنولوجياتقارير

انخفاض دراماتيكي للذهب: انفراج تجاري يهدئ الأسواق ويُلقي الضوء على قرار الفيدرالي

كتب: إسلام ماجد

في تطورات اقتصادية مثيرة، شهدت أسواق الذهب العالمية تراجعًا حادًا،  الاثنين الماضي، حيث انخفضت الأسعار إلى ما دون حاجز الـ4000 دولار للأوقية، وسط مؤشرات إيجابية على انفراج في التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
هذا التراجع، الذي يعكس تحولًا في معنويات المستثمرين، يأتي في وقت يترقب فيه الجميع قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة هذا الأسبوع.

ومع ذلك، لم يقتصر التأثير على الساحة العالمية، إذ امتد إلى الأسواق المحلية، بما في ذلك مصر، حيث سجلت أسعار المعدن الأصفر انخفاضاً ملحوظاً اليوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025. يُسلط هذا التقرير الضوء على تفاصيل التراجع، أسبابه، وتداعياته، معتمداً على بيانات حديثة وتصريحات خبراء.

تفاصيل التراجع العالمي في أسعار الذهب

سجل الذهب الفوري انخفاضًا بنسبة 2.7%، ليصل إلى 4002.29 دولار للأوقية ،وكان المعدن النفيس قد هبط في وقت سابق من الجلسة إلى أدنى مستوياته عند 3970.81 دولار، وهو أقل سعر مسجل منذ العاشر من أكتوبر الجاري.

أما العقود الآجلة الأمريكية للذهب تسليم ديسمبر، فقد تراجعت بنسبة أكبر بلغت 2.9%، لتستقر عند 4019.70 دولار.

هذه الأرقام تعكس ضغطًا بيعيًا قويًا، حيث فقد الذهب جاذبيته كملاذ آمن أمام تحسن المناخ الاقتصادي العالمي. ويأتي هذا التراجع بعد صعود قياسي بلغ 4381.21 دولار للأوقية في العشرين من أكتوبر، لكنه خسر 3.2% خلال الأسبوع الماضي وحده، مما يشير إلى تحول سريع في ديناميكيات السوق.

أسباب التراجع: انفراج تجاري وانتظار قرار الفيدرالي

الهبوط الدراماتيكي أدى إلى ظهور إشارات إيجابية على تراجع حدة التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم الولايات المتحدة والصين ،فقد وضع المفاوضون من الجانبين، الأحد الماضي، الإطار العام لاتفاق يهدف إلى وقف تصعيد الرسوم الجمركية الأمريكية وتأجيل القيود الصينية على صادرات المعادن النادرة.

ومن المقرر أن يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الصيني شي جين بينغ الخميس المقبل، لمناقشة تفاصيل اتفاق تجاري محتمل، مما يعزز التفاؤل ويقلل من الحاجة إلى الأصول الآمنة مثل الذهب.

بالإضافة إلى ذلك، يترقب المشاركون في السوق قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي المقرر الأربعاء، حيث يرى السوق احتمالًا بنسبة 97% لخفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية.
هذا الخفض المحتمل قد يدعم النمو الاقتصادي، لكنه في الوقت نفسه يضغط على أسعار الذهب، الذي يزدهر عادة في بيئات الفائدة المنخفضة، إلا أن التركيز الحالي على الاستقرار التجاري يغلب.

تصريحات الخبراء: بين البيع الفني والتفاؤل الاقتصادي

التأثير المحلي: تراجع كبير في أسواق الذهب المصرية
لم يقتصر تأثير هذه التطورات على الأسواق العالمية، بل امتد إلى الاقتصادات الناشئة، بما في ذلك مصر. فقد شهدت أسعار الذهب تراجعاً في الأسواق المصرية، وفقاً لآخر التطورات والمستجدات في أسواق المعدن الأصفر حيث يعتمد السوق المصري على الواردات والتأثيرات الدولية.
ومع ذلك، قد يوفر هذا الانخفاض فرصة للمستهلكين إلا أنه يثير مخاوف بين المستثمرين المحليين الذين اعتمدوا على الذهب كوسيلة للحفاظ على القيمة أمام التضخم والتقلبات الاقتصادية.

شوقي: تثبيت الفائدة الأمريكية دفع المستثمرين نحو الذهب والأصول الحقيقي

وفي سياق متصل، أكد الدكتور أحمد شوقي، الخبير الاقتصادي والمصرفي، في حديث خاص لـ«داي نيوز»، أن الفترة الماضية شهدت حالة ارتفاع كبيرة في الأسواق نتيجة مجموعة من العوامل المرتبطة بسياسات الفيدرالي الأمريكي والتطورات الاقتصادية العالمية.

وأوضح شوقي أن السبب الرئيسي وراء هذا الارتفاع يعود إلى قرار الفيدرالي الأمريكي بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، مشيرًا إلى أن العلاقة بين أسعار الفائدة والأسواق علاقة عكسية، حيث إن خفض الفائدة يؤدي عادة إلى ارتفاع أسعار الأصول، والعكس صحيح.

وأضاف: «عندما تُخفض أسعار الفائدة، يبدأ المستثمرون في البحث عن بدائل استثمارية تحقق لهم عوائد أعلى، فيتجهون نحو الأصول الحقيقية مثل الذهب والعقارات».

وتابع الخبير الاقتصادي أن الذهب يُعد من أهم الأصول الآمنة في أوقات التقلبات الاقتصادية، ولذلك زاد الإقبال عليه بعد قرارات الفيدرالي الأخيرة، مؤكدًا أن «الذهب هو الأصل الحقيقي والأكثر أمانًا في مواجهة التغيرات المالية»، مضيفًا أن العديد من الدول بدأت في تعزيز احتياطاتها من الذهب كجزء من سياسات التحوط المالي وتنويع الأصول.

وأشار شوقي إلى أن هذه التحركات دفعت كذلك إلى زيادة المضاربات في أسواق السلع، إذ رأى المستثمرون أن الفرص في الأصول الملموسة أكثر أمانًا مقارنة بالاستثمارات غير المدعومة بأصول حقيقية، مثل بعض العملات الرقمية أو الاستثمارات ذات المخاطر العالية.

وقال: «لاحظنا أن الأصول غير المدعومة، وعلى رأسها العملات الرقمية، بدأت تفقد قيمتها تدريجيًا، في حين حافظ الذهب على مكانته كملاذ آمن».

وحول حالة التصحيح التي تمر بها الأسواق حاليًا، أوضح شوقي أن ما نشهده هو «مرحلة تصحيح مؤقتة» جاءت بعد موجة الارتفاع الأخيرة، مضيفًا أن هذه المرحلة طبيعية في مسار الأسواق العالمية، خاصة مع اقتراب موعد اجتماع الفيدرالي الأمريكي الجديد والمقرر الخميس المقبل، والذي تترقب نتائجه الأوساط الاقتصادية العالمية.

وبين الخبير المصرفي أن حالة الترقب هذه دفعت المستثمرين إلى التريث في قراراتهم الاستثمارية، انتظارًا لما سيسفر عنه الاجتماع، موضحًا أنه «في حال قرر الفيدرالي إجراء خفض إضافي في أسعار الفائدة، فمن المتوقع أن نشهد ارتفاعًا جديدًا في أسعار الذهب والأصول الآمنة».

وأضاف شوقي أن من العوامل الأخرى التي ساهمت في تهدئة الأسواق مؤخرًا هو التحسن النسبي في العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، مما انعكس إيجابًا على المشهد الاقتصادي العالمي وأدى إلى نوع من الاستقرار النسبي في الأسعار.

وتابع قائلًا: «نحن الآن أمام فترة من الاستقرار الحذر أو ما يمكن تسميته بفترة التصحيح المؤقتة، حيث تراقب الأسواق عن كثب ما ستقرره المؤسسات المالية الكبرى، وخاصة الفيدرالي الأمريكي».

وختم الدكتور أحمد شوقي تصريحه بالتأكيد على أن الدول تعمل حاليًا على تنويع احتياطاتها الدولية بين الذهب والعملات المختلفة، في محاولة لتحقيق توازن اقتصادي يحميها من تقلبات الأسواق.

وأضاف: «في حال لم يتم خفض أسعار الفائدة، فمن المرجح أن يواصل الذهب ارتفاعه تدريجيًا، بينما تبدأ البنوك المركزية في إعادة هيكلة احتياطاتها تحسبًا لأي تغير مفاجئ في السياسة النقدية العالمية»

من جانبه، يرى الدكتور هاني بشير أن الارتفاعات الأخيرة في أسعار الذهب التي وصلت إلى نحو 4381 دولارًا للأونصة تمثل قمة تاريخية غير مسبوقة، إذ ارتفع الذهب منذ بداية العام وحتى منتصف أكتوبر بأكثر من 25%، نتيجة الاضطرابات الجيوسياسية وحالة القلق في الأسواق العالمية.

وأضاف أن الهبوط الأخير بنسبة 3.2% يعد أمرًا طبيعيًا بعد موجة صعود قوية، موضحًا أن الأسواق لا يمكن أن تستمر في اتجاه واحد، وأن الذهب كأي سلعة أخرى يتعرض لتصحيحات سعرية دورية بعد الارتفاعات الحادة.

وأكد بشير أن ما جرى لا يُعد انهيارًا، بل تصحيحًا مؤقتًا للأسعار، مشيرًا إلى أن الاتجاه العام للذهب لا يزال صاعدًا على المدى المتوسط، خاصة مع استمرار التوترات العالمية وتوقعات خفض الفائدة الأمريكية خلال العام المقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى