تقارير

محلل تركي لـ”داي نيوز”: الشراكات الخليجية ركيزة مهمة لتعزيز دور تركيا الإقليمي

كتبت: هدير البحيري

شهدت منطقة الخليج خلال الفترة من 21 إلى 23 أكتوبر 2025 جولة دبلوماسية مكثفة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، شملت الكويت وقطر وسلطنة عُمان، وأسفرت عن توقيع 24 اتفاقية وإعلانًا وبيانًا مشتركًا في مجالات متعددة.

وتأتي هذه الجولة في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات استراتيجية، ما يجعل الاتفاقيات الموقعة خطوة مهمة تعكس سعي تركيا إلى تعزيز حضورها في الخليج عبر مسارات التعاون الاقتصادي والاستثماري والدفاعي.

الكويت.. مدخل لتعزيز الشراكة الاقتصادية

استهل أردوغان جولته من الكويت، حيث تم توقيع أربع اتفاقيات في مجالات النقل البحري والطاقة والاستثمار المباشر، بالإضافة إلى الاعتراف المتبادل بالشهادات المهنية، ما يسمح للكوادر المتخصصة بالعمل بين البلدين دون الحاجة لإعادة اعتماد شهاداتهم.

وتركزت المباحثات على سبل رفع حجم التبادل التجاري، الذي بلغ نحو 720 مليون دولار عام 2024، في ظل اهتمام تركي بزيادة الاستثمارات في السوق الكويتي واستفادة أنقرة من موقع الكويت كمركز مالي وتجاري مهم في الخليج.

تركيا وقطر تعززان الشراكة الاستراتيجية

في الدوحة، عقد أردوغان محادثات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، جرى خلالها توقيع عدد من مذكرات التفاهم في مجالات الصناعات الدفاعية والتخطيط التنموي والتجارة والاستثمار، إلى جانب إصدار بيان مشترك للجنة الاستراتيجية العليا في دورتها الحادية عشرة.

وأكد الجانبان على أهمية الشراكة القائمة بين البلدين في دعم الاستقرار الإقليمي، وتوسيع التعاون في مجالات الطاقة والتنمية المستدامة.

عُمان.. تعاون مالي ودفاعي نحو شراكة استراتيجية

اختتم الرئيس التركي جولته بزيارة سلطنة عُمان، حيث جرى توقيع اتفاقيات نوعية شملت تأسيس مجلس تنسيقي مشترك، وإعفاء متبادل من التأشيرات، إضافة إلى تفاهمات في مجالات المعادن الإستراتيجية، والصناعات الدفاعية، والعلوم والتكنولوجيا، والإعلام.

كما تم توقيع اتفاقية تعاون بين صندوق الثروة السيادية التركي وجهاز الاستثمارات العُماني، في خطوة يُتوقع أن تعزز التعاون المالي والاستثماري بين الجانبين.

دلالات اقتصادية وإستراتيجية

تأتي الجولة في سياق تصاعد حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول الخليج، الذي بلغ 126.7 مليار دولار خلال الأعوام الخمسة الماضية، بينها 27.7 مليار دولار في عام 2024 وحده.

وتسعى أنقرة إلى رفع حجم التبادل مع الكويت وقطر وعُمان إلى 15 مليار دولار إجمالًا، في إطار سياسة تنويع الشركاء الاقتصاديين وتقليل الاعتماد على الأسواق التقليدية.

كما ناقشت المباحثات مشروع “طريق التنمية” الذي يربط الخليج بأوروبا عبر الأراضي التركية، والذي يُتوقع أن يعزز موقع تركيا كممر تجاري محوري بين آسيا وأوروبا.

توجه دبلوماسي متوازن

ومن جانبه، وصف رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، برهان الدين دوران الجولة بأنها “تجسيد لسياسة تركيا الخارجية القائمة على السلام والتعاون وتعزيز جسور الصداقة”.

وأشار إلى أن اللقاءات تناولت أيضًا قضايا إقليمية، من بينها الأزمة الإنسانية في غزة ووحدة الأراضي السورية، مؤكدًا أن أنقرة تسعى لترسيخ نهج الحوار والدبلوماسية المتوازنة في علاقاتها مع دول المنطقة.

جولة أردوغان في الخليج: تعزيز التحالفات الاقتصادية والدفاعية

وفي هذا الإطار، قال الصحفي والمحلل السياسي التركي، علي أسمر في حديث خاص لـ”داي نيوز” إن الجولة الخليجية الأخيرة “تؤكد استمرار سياسة الانفتاح الإقليمي، التي انتهجتها أنقرة منذ فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بالانتخابات عام 2023″، مشيرًا إلى أن “زيارة الكويت وقطر وسلطنة عُمان تمثل امتدادًا للجولة السابقة، التي شملت السعودية والإمارات وقطر، ما يعكس الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لمنطقة الخليج بالنسبة لتركيا”.

وأوضح أسمر أن “أنقرة تسعى من خلال هذه الجولات إلى بناء تعاون شامل في مجالات الاقتصاد والطاقة والدفاع، إضافة إلى توحيد المواقف الإقليمية تجاه الملفات المشتركة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع في غزة”.

الصحفي والمحلل السياسي التركي علي أسمر

وفي ما يتعلق بالرسائل السياسية التي حملتها الجولة، أكد المحلل السياسي التركي أن “أنقرة أرادت التأكيد على أن العلاقات التركية الخليجية وصلت إلى مستوى متقدم من الشراكة الاستراتيجية”، مضيفًا أن “الاتفاقيات الدفاعية والاقتصادية الأخيرة تعكس رغبة الجانبين في أن تُحل أزمات المنطقة من داخلها، دون تدخلات خارجية”.

وحول الانعكاسات الاقتصادية لهذه الاتفاقيات على الداخل التركي، أوضح أسمر أن “الاستثمارات الخليجية تمثل ركيزة مهمة لدعم الاقتصاد التركي، خاصة في ظل تحديات التضخم وتراجع قيمة الليرة”، لافتًا إلى أن “تنامي هذه الاستثمارات يسهم في استقرار الأسواق التركية ويخفف من حدة الأزمات المالية، كما يمنح دول الخليج منفذًا استراتيجيًا نحو الأسواق الأوروبية عبر تركيا”.

واستبعد المحلل التركي أن يكون الاقتصاد هو الأداة الرئيسية لتعزيز النفوذ السياسي لأنقرة، مشيرًا إلى أن “النفوذ السياسي يعتمد بالدرجة الأولى على الدور الدبلوماسي ووساطة تركيا في ملفات إقليمية ودولية، مثل الحرب الروسية–الأوكرانية، والقضية الفلسطينية، والأوضاع في ليبيا والقرن الإفريقي”.

وأضاف أسمر أن “الاقتصاد يشكل عنصرًا داعمًا، لكنه ليس المحرك الأساسي للنفوذ التركي، في حين تظل الصناعات الدفاعية المتطورة من بين الأدوات المهمة لتعزيز حضور تركيا الإقليمي”.

وفي ما يتعلق بتوقيع اتفاقيات التعاون الدفاعي مع قطر وسلطنة عُمان، قال أسمر إن “التعاون العسكري بين تركيا وقطر قائم بالفعل، ومن المتوقع توسيع نطاقه ليشمل دولًا خليجية أخرى، منها عُمان”، مشيرًا إلى أن “التحولات الأمنية في الشرق الأوسط أبرزت أهمية تطوير القدرات الدفاعية المحلية وتنويع مصادر التسليح”.

وأضاف أسمر أن “المرحلة المقبلة قد تشهد زيادة في التدريبات المشتركة وتبادل الخبرات العسكرية بين الجانبين، بما يعزز مفهوم الأمن الإقليمي الذاتي بعيدًا عن الاعتماد الكامل على القوى الغربية”.

الجولة الخليجية في الإعلام التركي

أما بشأن تفاعل الإعلام التركي مع الجولة، فأوضح أسمر أن “وسائل الإعلام الموالية للحكومة ركزت على أهمية الزيارة في دعم العلاقات مع الخليج وفتح آفاق جديدة للاستثمار والتعاون”، في حين رأى “الإعلام المعارض أن الهدف الأساسي للجولة اقتصادي بالدرجة الأولى، وأنها تتجاهل بعض الملفات السياسية الداخلية والخارجية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى