تقارير

قصف روسي يشل تشيرنيهيف وبولندا تهدد باعتقال بوتين.. ماذا حدث؟

تشهد الأزمة الأوكرانية تصعيدًا جديدًا في المشهدين الميداني والدبلوماسي مع اقتراب قمة بودابست المرتقبة التي ستجمع الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين.

وبينما تستعد العواصم الأوروبية لاحتمال لقاء يوصف بأنه “الرهان الأخير” لإنهاء الحرب، تتواصل الضربات الروسية على أوكرانيا، فيما تزداد الخلافات داخل أوروبا حول كيفية التعامل مع موسكو.

قصف روسي يشل الحياة في تشيرنيهيف ويُغرق السكان في الظلام

في شمال أوكرانيا، أعلنت السلطات عن انقطاع شامل للكهرباء والمياه في منطقة تشيرنيهيف عقب قصف روسي استهدف البنية التحتية للطاقة، مما ترك مئات الآلاف من السكان في الظلام والبرد. وقالت وزارة الطاقة الأوكرانية إن فرق الطوارئ لم تتمكن من البدء بأعمال الإصلاح بسبب استمرار تحليق الطائرات المسيّرة الروسية فوق المواقع المتضررة.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وصف الهجمات بأنها “محاولة روسية لترويع الشعب الأوكراني بالبرد”، مؤكدًا أن أعمال الإصلاح بدأت رغم المخاطر. كما شدد وزير الخارجية أندريه سيبيها على أن “بوتين يدّعي السعي إلى الدبلوماسية بينما يواصل قصف المدن”.
وبحسب شهود عيان، غرقت تشيرنيهيف في الظلام، وتوقفت شبكات الهاتف المحمول والمياه، فيما اعتبر محللون أن قرب المدينة من الحدود الروسية يجعلها هدفًا سهلًا للهجمات.

تحذير بولندي: طائرة بوتين قد تُجبر على الهبوط إذا عبرت أجواءنا

بالتزامن مع هذه التطورات، فجّر وزير الخارجية البولندي رادوسواف سيكورسكي مفاجأة حين قال إن بولندا قد تُجبر الطائرة التي تقل بوتين على الهبوط إذا حاول عبور أجوائها متوجهًا إلى المجر. وقال في تصريح إذاعي: “لا أستطيع أن أضمن أن محكمة بولندية مستقلة لن تأمر بتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي”.
وأضاف سيكورسكي أن “الجانب الروسي يدرك هذه المخاطر، لذا من المرجح أن تسلك الطائرة مسارًا جويًا آخر”. ويأتي هذا التصريح بعد إعلان ترامب عن خططه لعقد لقاء مع بوتين في بودابست خلال أسبوعين لمناقشة سبل إنهاء الحرب الأوكرانية.

بودابست تتحدى المحكمة الجنائية الدولية وتستعد لاستقبال بوتين

من جهتها، أكدت الحكومة المجرية أنها لن تنفذ مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق بوتين منذ مارس 2023، والمتعلقة بترحيل مدنيين وأطفال أوكرانيين إلى روسيا.
وتقول بودابست إن القرار الذي اتخذته بالانسحاب من اختصاص المحكمة الدولية لن يدخل حيز التنفيذ قبل منتصف عام 2026، لكنها سبق أن استضافت مسؤولين آخرين مطلوبين دوليًا، من بينهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفي المقابل، أعلنت بلغاريا استعدادها لفتح ممر جوي لبوتين إذا طلبت موسكو ذلك، رغم كونها أيضًا عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، مؤكدة أنها “غير ملزمة بإيقاف طائرته أثناء عبورها المجال الجوي”.

اقرأ أيضاً:زيلينسكي في السويد لتوقيع اتفاق لتزويد أوكرانيا بالأسلحة

واشنطن تراهن على وساطة ترامب لإنهاء الحرب الأوكرانية

اللقاء المرتقب بين ترامب وبوتين في بودابست هو الثاني منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، بعد اجتماعهما في ألاسكا في أغسطس الماضي. ووفقًا لمصادر دبلوماسية، فإن ترامب يسعى إلى طرح مبادرة جديدة للسلام تتضمن وقف إطلاق النار مقابل ترتيبات ميدانية مؤقتة في شرق أوكرانيا.
إلا أن تسريبات أشارت إلى أن بوتين طالب أوكرانيا بالتنازل عن كامل مقاطعة دونيتسك مقابل تنازلات محدودة في زاباروجيا وخيرسون، وهو ما يثير الشكوك حول جدوى أي تسوية قريبة.

الكرملين: أوروبا لا تسعى للسلام بل تؤجج الصراع

وفي موسكو، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن الدول الأوروبية “لا تُبدي أي اهتمام حقيقي بالسلام”، متهمًا قادة الاتحاد الأوروبي بتشجيع كييف على مواصلة الحرب. وأوضح أن أوروبا “رفضت منذ عام 2021 مبادرات موسكو لضمان الأمن في المنطقة، وواصلت السعي لهزيمة روسيا استراتيجيًا”.
وأضاف بيسكوف أن العواصم الأوروبية ماضية في هذا النهج رغم التغير في الإدارة الأمريكية التي – بحسب قوله – تسعى إلى اتباع سياسة أكثر واقعية وبناءً تجاه موسكو.

في ظل هذا المشهد المعقد، تبدو قمة بودابست المقبلة اختبارًا حاسمًا للدبلوماسية الدولية بين واشنطن وموسكو وكييف. فبينما تشتعل السماء الأوكرانية بالطائرات المسيّرة، يتصاعد الجدل على الأرض بين من يطالب بالسلام ومن يجهّز لحرب أطول.

في سياقٍ متصل، أكد إيفان أوس، كبير مستشاري المعهد الأوكراني والمحلل السياسي، أن عقد قمة بودابست غير مضمون بنسبة مئة بالمئة، مشيراً إلى أن موسكو تدرك ذلك تماماً وأنها بالفعل وضعت شروطها ولا تنوي التراجع عنها. وأضاف أوس في تصريحاته لوسائل الإعلام: «لا أظن أن هناك إيماناً حقيقياً بإمكانية انعقاد هذه القمة»، موضحاً أن ما جرى في أوكرانيا يُظهر بوضوح أن التوقعات بعقد لقاء دولي ناجح في هذا الإطار تبقى محدودة.

وقال أوس إنّ لدى روسيا برنامجاً عسكرياً واضحاً وأن تصعيد العمليات لن يقتصر على محدد جغرافي واحد، بل سيمتد إلى المناطق الحدودية القريبة من أوكرانيا. وأكد أن الهدف الروسي —وفق المعطيات الميدانية والتصريحات— يتمثل في السيطرة على مزيد من الأراضي الأوكرانية، وذكر بالخصوص إقليم تشيرنيهيف الذي يفصل بين روسيا وإقليم العاصمة كييف. وأوضح أن التركيز في هذه المرحلة ليس عشوائياً، بل يشمل بنى تحتية استراتيجية أساسية: «يبدو أنهم يولون اهتماماً كبيراً لإنتاج الكهرباء في تشيرنيهيف، وهذا ليس سوى المرحلة الأولى. هدفهم هو ضرب منظومات توليد الكهرباء ليس فقط في تشيرنيهيف، بل في شرق ووسط أوكرانيا، ثم التمدد إلى الغرب وصولاً إلى عموم البلاد».

ورأى أوس أن السيناريو العسكري لدى الكرملين لا يهدف إلى التوصل إلى تسوية محلية فحسب، بل يتجه إلى إضعاف قدرات الدولة الأوكرانية على الصمود، ما يجعل خطر التمدد والتهديد مستمراً. وفي هذا السياق، شدد على أن دولاً جارة لأوكرانيا، وعلى رأسها بولندا، تدرك هذه المخاطر جيداً. ونقل عن أوس أن بولندا لا تعتقد أن الحرب ستنتهي سريعاً في أوكرانيا، موضحاً أن الدول التالية المعرضة للخطر قد تشمل بولندا أو دول البلطيق أو حتى فنلندا، لأن روسيا «لا تخطط للتوقف».

وتطرّق أوس في تصريحاته إلى موقف وطني عملي اتخذته وارسو إزاء أي محاولة لإضفاء شرعية دولية على قادة روس: «عندما ترددت أخبار عن احتمال لقاء بين الرئيس بوتين والرئيس ترامب في بودابست، جاء رد بولندا واضحاً: لا. بوصفهم دولة جارة ومهددة، رفضوا فتح سماهم الجوي لطائرة بوتين أو تسهيل أي لقاء من هذا النوع». ولفت إلى أن هذا الموقف يعكس اختلافاً في تقييم الخطر بين بولندا وبعض شركائها داخل الاتحاد الأوروبي، الذين قد لا يشاركونها نفس مستوى القلق تجاه التهديد الروسي.

كما استند أوس إلى سابقة تاريخية لتقوية حجته السياسية، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي في زمن الحرب العالمية الثانية لم يكن يفاوض ديكتاتور مثل هتلر، ولم يُدَع إلى قمم السلام الكبرى؛ «في مؤتمرات طهران 1943 ويالطا 1945، لم يكن هتلر طرفاً لأن الجميع أدركوا أن التعامل معه كان يجب أن يكون على أساس القضاء على الخطر قبل أي تفاوض». وأضاف أن هذا الدرس التاريخي ينعكس اليوم في مواقف بولندا وأوكرانيا: «ليس السؤال كيفية التفاهم مع بوتين، بل كيفية كسب الحرب ضده». وختم بالقول إن بقاء بوتين رئيساً لروسيا يعني —في نظر هذه الدول  استمرار التهديد لكل دول الجوار.

هذا وأكد إيفان أوس أن التفكير في حلولٍ سياسية أو قمم سلام يتطلب أولاً قراءة واقعية للميدان العسكري والأهداف الاستراتيجية لموسكو، محذّراً من أن أي محاولة لإعادة الأمور إلى «طريق التفاوض» من دون تحقيق مكاسبٍ دفاعية وسياسية ملموسة قد تفضي إلى إعطاء الرئيس الروسي مزيداً من الوقت والفرص لتكريس مكاسبه الميدانية

من جانبه، يرى أحمد ماجد، الباحث في الدراسات السياسية والاستراتيجية، أن احتمال اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته إلى بودابست ضعيف للغاية، نظرًا لتعقيدات المشهد القانوني والسياسي المحيط بالقضية. وقال ماجد إن “تنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية يواجه عقبات كبيرة، خاصة في ظل موقف المجر الرافض للالتزام الكامل بقرارات المحكمة، واعتبارها أن استقبال بوتين يأتي في إطار اتصالات دبلوماسية لا يمكن إخضاعها للإجراءات القضائية”.
وأضاف أن “المجتمع الدولي يدرك أن أي محاولة لاعتقال رئيس دولة نووية مثل روسيا قد تفتح بابًا واسعًا للتصعيد، ليس فقط على الصعيد السياسي، بل أيضًا العسكري، ما يجعل مثل هذا السيناريو أقرب إلى المستحيل في الظروف الحالية”
وأشار أحمد ماجد في تحليله إلى أن القصف الروسي الأخير على منطقة تشيرنيهيف (تشيرنيف كراي) يعكس تحوّلًا واضحًا في الاستراتيجية العسكرية الروسية نحو استهداف البنية التحتية الحيوية، وليس فقط المواقع العسكرية. وأوضح أن هذا النوع من الضربات «يهدف إلى إنهاك الجبهة الداخلية الأوكرانية، من خلال شلّ الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والاتصالات، مما يخلق حالة من الضغط الشعبي والسياسي على كييف».
وأضاف ماجد أن اختيار تشيرنيهيف تحديدًا «ليس عشوائيًا، فهي منطقة حدودية قريبة من روسيا وتشكل ممرًا استراتيجيًا نحو العاصمة كييف، كما أن استهدافها يوجّه رسالة ردع لبقية المناطق». واعتبر أن هذا التصعيد الميداني يتزامن مع التحركات الدبلوماسية قبيل قمة بودابست، في محاولة من موسكو لتعزيز موقعها التفاوضي وفرض واقع ميداني جديد قبل أي مفاوضات محتملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى