سباق القمر الجديد: الولايات المتحدة تعيد فتح عقود الهبوط للمنافسة مع الصين

تشهد الولايات المتحدة والصين تنافسًا محمومًا لإقامة قواعد دائمة على سطح القمر، مع تركيز الجهود على منطقة القطب الجنوبي الغنية بالموارد، فيما يُعتبره المتخصصون أبرز مواجهة فضائية منذ أيام الحرب الباردة.
في خطوة استراتيجية لتسريع البرنامج، أعلن شون دافي، الذي يشغل حاليًا منصب القائم بأعمال مدير وكالة ناسا، عن إعادة النظر في عقد مركبة الهبوط الخاصة بمهمة أرتميس 3، مما يفتح الباب أمام شركات أخرى غير سبيس إكس التابعة لإيلون ماسك.
جاء هذا الإعلان هذا الأسبوع، وسط مخاوف متزايدة من التأخيرات في تطوير مركبة ستارشيب، وإلحاح الحاجة إلى الفوز بالسباق أمام بكين.
أدلى دافي بتصريحاته خلال مقابلة تلفزيونية على قناة فوكس نيوز في برنامج “فوكس آند فريندز” يوم الاثنين 20 أكتوبر 2025، مشددًا على أن “نحن نواجه سباقًا مباشرًا مع الصين، لذلك يجب أن نستفيد من أقوى الشركات للعمل بكفاءة عالية تضمن وصولنا إلى القمر أولاً”.
كما أكد في مقابلة أخرى على قناة سي إن بي سي أن الوكالة ستفتح العقد للمنافسة بين الشركات الأمريكية، بهدف تحويل التحدي إلى “سباق داخلي” يضمن التقدم السريع.
وأشار إلى أن الرئيس دونالد ترامب يريد رؤية المهمة تتحقق قبل انتهاء فترة رئاسته في يناير 2029، مع التركيز على هزيمة هدف الصين المعلن عن إرسال رواد فضاء إلى القمر بحلول 2030.
يأتي هذا القرار في سياق ضغوط داخلية متزايدة على ناسا لتسريع برنامج أرتميس، الذي يهدف إلى إعادة البشر إلى القمر لأول مرة منذ مهمة أبولو 17 عام 1972، وإنشاء حضور طويل الأمد هناك.
كانت سبيس إكس قد حصلت على عقد بقيمة 4.4 مليار دولار في عام 2021 لتطوير ستارشيب كنظام هبوط بشري (HLS)، حيث من المقرر أن تقوم المركبة بنقل رواد الفضاء من مدار القمر إلى سطحه وإعادتهم.
ومع ذلك، واجهت ستارشيب تأخيرات متكررة، بما في ذلك فشل في بعض الرحلات التجريبية هذا العام، مثل الحادث في 6 مارس الذي أدى إلى تفكك المركبة أقل من 10 دقائق بعد الإقلاع، وهي لا تزال لم تنجح في إكمال مهمة كاملة.
هذه التأخيرات أدت إلى تأجيل مهمة أرتميس 3 إلى منتصف عام 2027 على الأقل، مما يثير قلقًا بشأن القدرة على الالتزام بالجدول الزمني.
للتغلب على هذه العقبات، طلبت ناسا من سبيس إكس وبلو أوريجين، التابعة لجيف بيزوس، تقديم اقتراحات لتسريع التطوير بحلول 29 أكتوبر 2025. كما أصدرت الوكالة طلبًا للحصول على معلومات من الصناعة التجارية لزيادة وتيرة المهام القمرية.
ومن الشركات المحتمل أن تشارك في المنافسة بلو أوريجين، التي تعمل بالفعل على مركبة بلو مون مارك 1 لنقل مسبار فايبر إلى القمر في 2027، ومارك 2 لمهام أرتميس اللاحقة تحت عقد بقيمة 3 مليار دولار. كانت بلو أوريجين قد اعترضت سابقًا على منح ناسا العقد حصريًا لسبيس إكس في 2021، مطالبة بتوفير خيارات احتياطية للمنافسة والموثوقية.
أيضًا، أعربت شركة لوكهيد مارتن، الشريك الرئيسي في برنامج أوريون، عن اهتمامها بتشكيل تحالف صناعي لتقديم حلول هبوط بشرية سريعة، وقد أجرت دراسات فنية وبرامجية هذا العام بالتعاون مع فرق متعددة.
كما ذكرت شركات أخرى مثل بوينغ ولوكهيد مارتن ونورثروب غرومان مشاركتها في جوانب أخرى من البرنامج، مثل مهمة أرتميس 2 المقررة في أبريل 2026 (وربما فبراير إذا سمح الجدول)، والتي تشمل طيرانًا حول القمر دون هبوط. هذه المهمة ستختبر أنظمة بوينغ ونورثروب غرومان ولوكهيد مارتن، وتُعد خطوة حاسمة نحو أرتميس 3.
يُعد هذا التطور جزءًا من جهود أوسع للحفاظ على تفوق الولايات المتحدة في الاستكشاف الفضائي، خاصة مع تقدم الصين في برنامجها القمري، الذي يشمل بناء محطة بحثية دولية على القمر بحلول 2030.
وفقًا لبعض الخبراء، مثل جيم بريدنستاين السابق في ناسا، قد لا تتمكن الولايات المتحدة من الفوز بالسباق إذا استمرت التأخيرات، لكن دافي دحض ذلك قائلًا: “سنسبق الصين إلى القمر”.
وتستمر ناسا في دعم سبيس إكس، لكنها تؤكد الآن على أهمية التنويع لضمان النجاح، مع التركيز على القطب الجنوبي كموقع رئيسي للموارد مثل الجليد المائي الذي يمكن تحويله إلى وقود وأكسجين.
في الختام، يُمثل هذا الإعلان تحولًا نحو المنافسة الداخلية الأمريكية، مما قد يعزز الابتكار ويقلل المخاطر، لكنه يثير تساؤلات حول مستقبل عقد سبيس إكس إذا لم تتمكن من اللحاق بالموعد. ينتظر الجميع الاقتراحات المقبلة لتحديد الخطوات التالية في هذا السباق الكوني الحاسم.