الهند وأمريكا على أعتاب اتفاق تجاري يقلص الرسوم الجمركية إلى النصف

في تطور يُعد خطوة حاسمة نحو تعزيز الشراكة الاقتصادية بين نيودلهي وواشنطن، يقترب الجانبان من إنهاء مفاوضات طويلة الأمد حول اتفاقية تجارية ثنائية واسعة النطاق، تهدف إلى تخفيض الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الهندية المستوردة إلى مستويات أقل بكثير من الحالية.
وفقًا لمصادر مطلعة، من المتوقع أن تنخفض هذه الرسوم من 50% إلى ما بين 15% و16% فقط، مما يفتح الباب أمام زيادة كبيرة في حجم الصادرات الهندية إلى أكبر سوق تجاري لها.
بدأت هذه الأزمة التجارية في أغسطس 2025، عندما فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية تصل إلى 50% على مجموعة واسعة من المنتجات الهندية، كرد فعل على استمرار الهند في استيراد النفط الروسي رغم الضغوط الدولية لوقف دعم موسكو في حربها بأوكرانيا.
كانت هذه الرسوم مزدوجة: 25% أولية كـ”تعويضية” للاختلالات التجارية، و25% إضافية كعقوبة ثانوية مرتبطة بالنفط الروسي. أثر ذلك سلبًا على قطاعات رئيسية في الاقتصاد الهندي، مثل المنسوجات والأحجار الكريمة والمجوهرات، والروبيان، والأجزاء الآلية، حيث انخفضت الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 22% بين مايو وأغسطس 2025، مسببة خسائر تصل إلى مليارات الدولارات وتأثيرًا على آلاف الوظائف.
رغم التوترات الأولية، أكدت الحكومة الهندية موقفًا حازمًا، محذرة من عدم “الخضوع” للضغوط، مع التركيز على تنويع الشراكات التجارية نحو أوروبا وروسيا والصين.
ومع ذلك، استمرت المفاوضات بوتيرة سريعة، مدعومة بزيارات رسمية وبيانات مشتركة بين رئيس الوزراء ناريندرا مودي والرئيس ترامب في فبراير 2025، حيث حدد الجانبان هدفًا طموحًا يصل إلى تضاعف حجم التجارة الثنائية إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2030.
شملت المناقشات جوانب متعددة، مثل تسهيل الوصول إلى الأسواق في الخدمات والطاقة والدفاع والتكنولوجيا، مع تجنب الخلافات الحساسة مثل البراءات والمنتجات الزراعية المعدلة وراثيًا.
الدافع الرئيسي وراء التسارع في هذه المفاوضات يعود جزئيًا إلى التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، حيث تسعى واشنطن إلى بناء سلاسل توريد بديلة موثوقة بعيدًا عن بكين، خاصة في مجال المعادن النادرة والصناعات الاستراتيجية.
يُنظر إلى الهند كشريك مثالي في هذا السياق، مما يجعل الاتفاقية فرصة لكلا الطرفين لتحقيق “حل رابح-رابح”، كما وصفتها وزارة التجارة الهندية.
ومن المتوقع أن يتم الإعلان الرسمي عن توقيع الاتفاقية خلال قمة آسيان في نوفمبر 2025، مع إمكانية إنهاء المرحلة الأولى قبل نهاية الشهر الحالي، رغم التحديات اللوجستية الناتجة عن إغلاق حكومي أمريكي محتمل.
سيؤدي هذا التخفيض الجمركي إلى إنعاش الاقتصاد الهندي بشكل ملحوظ، حيث يمثل التصدير إلى أمريكا نحو 18% من إجمالي الصادرات الهندية، مع الحفاظ على 45% من هذه الصادرات معفاة من الرسوم بالفعل.
كما يُتوقع أن يعزز الاتفاقية التعاون في مجالات أخرى، مثل الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي، مما يقوي الروابط الاستراتيجية بين البلدين في مواجهة التحديات العالمية.
ومع ذلك، يظل النجاح مرهونًا بتجاوز العقبات المتبقية، مثل الرسوم الثانوية على النفط الروسي، لكن الإشارات الحالية تشير إلى تفاؤل مشترك يمكن أن يعيد رسم خريطة التجارة الدولية.