مقالات

زفاف النخبة: الانفتاح الغربي للبهلوي مقابل الازدواجية الإسلامية لشمخاني

د.ريم أبو الخير

بين حفيدة شاه إيران المنفية، إيمان بهلوي، وزفافها في الغرب، وابنة علي شمخاني، أحد أعمدة الأمن القومي، في إيران، يظهر التناقض الواضح في حياة النخبة الإيرانية. الأولى تمثل الانفتاح الغربي والمصاهرة مع الغرب، والثانية تمارس حياة فخمة ومخالفة للظهور الإسلامي الصارم، رغم التزامها الظاهري بالقوانين والدين.

الإرث المنفي: الرمزية السياسية والاجتماعية:

في المنفى، احتفلت الأميرة إيمان بهلوي، حفيدة شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي آخر شاه لإيران، بزواجها من رجل الأعمال الأمريكي اليهودي برادلي شيرمان، والتي تمثل جيلًا من النخبة الإيرانية التي وجدت نفسها بين إرث ملكي منفي وتحديات الواقع السياسي والاجتماعي.

فالزواج من شخص ينتمي إلى “الغرب” ومن الديانة “اليهودية” – اللذين يمثلان في الخطاب الرسمي للجمهورية الإسلامية رمزاً للعداء – يرسل رسالة واضحة مفادها الانفصال التام عن القيود الأيديولوجية لطهران. ويعكس قدرة النخبة المنفية على تجاوز القيود الدينية والسياسية، والانخراط في شبكة علاقات عالمية. بينما حفلة ابنة شمخاني تكشف ازدواجية النخبة الحاكمة: فخامة الحياة الخاصة والتصرفات المخالفة للقانون، مقابل الالتزام الإعلامي والديني الظاهري.

هذا الزواج لا يُنظر إليه على أنه مجرد حدث شخصي، هو رسالة ضمنية على قدرة النخبة المنفية على تجاوز الحدود الدينية والجيوسياسية، والانخراط في شبكة علاقات عالمية تعكس نفوذها الاجتماعي والسياسي بعيدًا عن القيود التي فرضها النظام الإيراني بعد الثورة وقوة هذه الطبقة ومرونتها، كذلك مهارتها في بناء تحالفات اجتماعية ودبلوماسية غير تقليدية، للحفاظ على مكانتها، حتى خارج إيران، عبر توسيع شبكة علاقاتها.

بالنسبة للكثيرين من الإيرانيين في المنفى، أصبح زواج بهلوي رمزاً “للأمل والإرث الإيراني المستمر” المتصالح مع العالم والمنفتح على التعددية.

ابنة شمخاني: المظهر الإسلامي والخفاء الاجتماعي

في المقابل، وفي قلب طهران، أثار فيديو مسرب من حفل زفاف ابنة علي شمخاني، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، ومستشار المرشد الإيراني علي خامنئه اى، موجة غضب عارمة. لم يكن الجدل حول العرس نفسه، بل حول التناقض الصارخ الذي كشفه.

أُقيم الحفل في في أحد أفخم فنادق طهران، فندق إسپیناس پالاس، وقد قُدرت تكلفته بنحو مليار وأربعمئة مليون تومان، أي ما يُقدَّر بنحو 22 إلى 23 ألف دولار تقريبًا، استنادًا إلى تقرير صحيفة آرمان ملي وموقع فراز، وهو ما يتعارض مع الدعوات المتكررة من مسؤولي النظام لـ “التقشف” و”تحمل الظروف الاقتصادية” التي يعيشها المواطن العادي.

لكن المثير في الموضوع والأكثر جدلًا هو قضية الحجاب، فقد أظهر الفيديو نساء غير محجبات في الحفل، وفي حضور المسؤول البارز نفسه، الذي يفترض به أن يكون حارسا للقيم الإسلامية التي يفرضها النظام بقوة القانون على جميع الإيرانيات، والذي أودى بحياة الكثيرات مثل مهسا أميني والتي كانت الشرارة لموجة من التظاهرات تحت شعار ” زن، زندگی،آزادی” أو “المرأة، الحياة، الحرية”. وقد زادت المظاهر الغربية في الحفل، كظهور شمخاني وهو يقود ابنته يدا بيد إلى قاعة الاحتفال بأسلوب غربي، من حدة الانتقادات.

في الوقت الذي تفرض في الحكومة قيودًا على أي مظاهر للاحتفال يُمكن اعتبارها “مخالفة للآداب الإسلامية العامة”، منها منع الاختلاط في صالات الزفاف، أو وضع “ستائر فاصلة” بينهم، حظر الموسيقى والرقص في الحفلات العلنية أو داخل القاعات التي تُدار بطريقة تجارية بدون تراخيص.

منع المصورين أو نشر مقاطع فيديو تُظهر النساء بغير الحجاب الشرعي، وقد تُداهم الشرطة بعض الحفلات إذا تم التبليغ عنها أو ظهرت على مواقع التواصل.

كذلك قضية “التشبه بالغرب” في حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية فهي من أكثر النقاط حساسية في المجتمع الإيراني، حيث تقع في منطقة رمادية بين الهوية الدينية والسياسية من جهة، والذوق الاجتماعي الحديث من جهة أخرى . حيث الحكومة الإيرانية (وخاصة المؤسسات الثقافية والدينية) تُعلن باستمرار رفضها لما تسميه بـ “تغريب الثقافة”، أي استيراد مظاهر من الغرب المتعارضة مع القيم الإسلامية والإيرانية، وهذا يشمل حفلات الزفاف ، حيث يُمنع ارتداء فساتين زفاف “عارية الكتفين أو الصدر” صالات مفتوحة، وبعض صالات الأفراح تُجبر العرائس على ارتداء روسری (غطاء الرأس) أثناء دخول القاعة أو عند وجود رجال، تُمنع الأغاني الغربية (خاصة الإنجليزية أو الأمريكية) في الصالات العامة، وطالت هذه القوانين مظاهر الزينة أوالمكياج فتوجد حملات دورية من “شرطة الأخلاق” لمراقبة مراكز التجميل وصالات الأعراس بحجة منع “المظاهر الغربية”، حتى طريقة تصفيف الشعر أو المكياج أحيانًا تُعتبر مقياسًا على “الانحراف الثقافي”، كذلك يُحذر “نمط الزفاف الغربي”، ويبث هذا في الإعلام الرسمي أيضًا.

ولهذا أثارت حفلة زفاف ابنة شمخاني غضب المجتمع الإيراني، الذي رأى فيه مخالفة واضحة لكل ما تنادي به الحكومة وتفرضه على الشعب بشكل صارم ولا تتهاون فيه.

فبينما تُعاقب “شرطة الأخلاق” الإيرانية المواطنات العاديات على أبسط مخالفة لقانون الحجاب الإجباري، تطالب بعض الأصوات داخل إيران بضرورة “دخول شرطة الإرشاد الخاصة بالمسؤولين” إلى حفلات أبناء النخبة، إشارة إلى أن القانون يُطبق على الطبقات الدنيا ولا يصل إلى أبواب كبار المسؤولين.

الإعلام وردود الفعل:

على صعيد ردود الفعل الإعلامية، غالبا ما تتجنب وسائل الإعلام الحكومية أو شبه الرسمية مثل وكالة “مهر” التابعة لمنظومة الإعلام الديني، الخوض في مثل هذه القضايا الحساسة المتعلقة بفساد النخبة أو ازدواجية معاييرها، اتسمت بالحذر في تغطيتها، مستخدمة تعبيرات مثل “سهل‌انگاری” لتخفيف الانتقاد المباشر، ما يعكس توتر الإعلام الرسمي بين الحاجة لإظهار الالتزام الديني والقوانين، وبين كشف التناقضات في حياة النخبة الحاكمة، خاصة فيما يتعلق بالحجاب والقيم الإسلامية.

ولكن وسائل إعلام أخرى، مثل صحيفة “آرمان ملي”، انتقدت الحدث بجرأة عبر نشر تقارير حول التكلفة الباهظة، معنونةً إياه بـ “جدل حول زفاف في فندق “إسبيناس بارسيان”. ويُظهر هذا التناول الإعلامي أن القضية ليست مجرد شأن عائلي، بل هي قضية رأي عام تمس العدالة الاجتماعية وسيادة القانون.

إن ازدواجية المعايير هذه، أو ما وُصف بـ “النفاق والرياء السياسي”، تجعل الكثيرين يشككون في مصداقية الخطاب الأيديولوجي للنظام. فإذا كان قادة البلاد وأنظمتهم غير ملتزمين في حياتهم الخاصة بالقيم التي يفرضونها على الشعب، فإن شرعية هذه القوانين تنهار، ودور الإعلام في ضبط الصورة أمام الجمهور، بينما تظل التناقضات بعيدة عن الرقابة المباشرة.

في نهاية المطاف، يكشف التباين بين حفيدة بهلوي التي اختارت الغرب وشريكا يهوديا في العلن، وابنة شمخاني التي خرقت القوانين الاجتماعية في الخفاء، عن أزمة هوية حقيقية في إيران. إنها أزمة “المرايا المزدوجة” حيث يعيش البعض وفقا لخطاب ديني صارم، بينما يمارس أبناؤهم في الباطن حياة لا تختلف كثيرا عن “النمط الغربي” الذي يدينونه.

هذا الانفصال بين القول والفعل، والخطاب والواقع، هو التحدي الأكبر الذي يواجه مصداقية النخبة الحاكمة في إيران

 

 

 

 

Mariam Hassan

مريم حسن كاتبة وصحفية متخصصة في الشأن الهندي ـ الباكستاني و جنوب شرق آسيا خبرة سنتين في مجال العمل الصحفي والإعلامي. أماكن العمل : داي نيوز الإخباري. أعمل على ترجمة وتحرير الأخبار والتقارير الصحفية المتنوعة. تحليل و دراسة التحولات السياسية والتهديدات الأمنية في آسيا وانعكاساتها على الأمن القومي المصري والعربي. متابعة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، وتحليل سياسات القوى الإقليمية وأنماط التحالفات بين جنوب آسيا والشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى