ترامب يراهن على وساطته بين موسكو وكييف.. هل تنجح قمة بودابست؟

ضمن مساعيه لإعادة رسم مسار الحرب الروسية الأوكرانية، كثّف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحركاته الدبلوماسية هذا الأسبوع، مستضيفًا نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اجتماع مغلق بالبيت الأبيض، ومعلنًا في الوقت نفسه عن لقاء مرتقب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة المجرية بودابست.
تحركات ترامب تأتي وسط تباين في مواقفه وتصريحاته، بين الدعوة لوقف إطلاق النار والحديث عن حدود المعركة، وبين التردد في تسليح أوكرانيا بصواريخ “توماهوك” التي تطالب بها كييف.
محادثات مغلقة وملفات مفتوحة
شهد يوم الجمعة، 17 أكتوبر، الجولة السادسة من المحادثات بين ترامب وزيلينسكي، في لقاء وُصف بأنه “مثمر” من الجانب الأوكراني.
أكد زيلينسكي خلال الاجتماع أن وقف إطلاق النار يظل أولوية قصوى بالنسبة لأوكرانيا، بينما دعا ترامب الطرفين إلى التوقف وقبول خطوط القتال الحالية، في تصريح اعتُبر تلميحًا إلى تجميد الصراع على الوضع الراهن.
ورغم أن هذا الموقف يتعارض مع تطلعات كييف لاستعادة أراضيها المحتلة، فإن ترامب شدد على رغبته في إنهاء الحرب دون اللجوء إلى تصعيد عسكري جديد، قائلًا إنه يأمل أن يتم السلام من دون استخدام صواريخ “توماهوك”.
اتصال مع بوتين يمهد للقاء جديد
في اليوم السابق للاجتماع، أجرى ترامب مكالمة هاتفية طويلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعلن بعدها عن لقاء وشيك بينهما في بودابست خلال الأسابيع المقبلة.
ووفقًا لتصريحات ترامب، شهدت المكالمة “تقدمًا كبيرًا” في النقاشات حول إمكانية إنهاء الحرب، مع تركيز واضح على الملفات الاقتصادية والعلاقات الثنائية بعد الصراع.
وأشار ترامب إلى أنه ناقش مع بوتين احتمالات تطبيع العلاقات التجارية بين واشنطن وموسكو، معتبرًا أن الحوافز الاقتصادية قد تكون طريقًا نحو تسوية سياسية، هذه الرؤية تعكس توجهًا براغماتيًا يحاول من خلاله ترامب ربط إنهاء الحرب بمكاسب اقتصادية مستقبلية للطرفين.
اقرأ أيضاً:روسيا تتهم بريطانيا وأوكرانيا بالتخطيط لهجمات تخريبية على خطوط الغاز
ضبابية الموقف الأميريكي من تسليح كييف
من أبرز الملفات العالقة في اللقاء الأخير مسألة تزويد أوكرانيا بصواريخ “توماهوك” الأمريكية بعيدة المدى، فبينما ترى كييف أن هذه الصواريخ قد تغير ميزان القوة في الميدان وتدفع موسكو نحو التفاوض، أبدى ترامب ترددًا واضحًا في اتخاذ هذه الخطوة.
وقال الرئيس الأميريكي إنه لا يرغب في المساس بالمخزون العسكري الأميريكي، مؤكدًا أن “الواجب الوطني يحتم الحفاظ على الجاهزية الكاملة للبلاد في السلم والحرب، هذا التراجع فُسّر في واشنطن بأنه محاولة من ترامب لتجنب استفزاز موسكو قبل لقائه المرتقب مع بوتين.
موقف زيلينسكي: الأبواب لم تُغلق
من جانبه، حرص الرئيس الأوكراني على عدم التصعيد، مكتفيًا بالتأكيد على أن الباب لا يزال مفتوحًا.
وقال في مقابلة مع إحدى القنوات إن ترامب “لم يقل لا، ولم يقل نعم” بشأن صواريخ توماهوك، مشددًا على أن بلاده بحاجة ماسة لهذه المنظومة نظرًا لصعوبة الاعتماد فقط على الطائرات المسيّرة الأوكرانية.
ويرى مراقبون أن زيلينسكي يحاول الموازنة بين الحفاظ على دعم واشنطن وبين تجنب الصدام مع الإدارة الأمريكية التي تبحث عن مخرج سياسي يُنهي الحرب دون تصعيد ميداني جديد.
تحذيرات روسية ورسائل متبادلة
الكرملين لم يتأخر في الرد، إذ حذر مستشار السياسة الخارجية للرئيس بوتين، يوري أوشاكوف، من أن تزويد كييف بصواريخ “توماهوك” لن يغيّر الوضع على الأرض، لكنه سيتسبب في أضرار كبيرة للعلاقات بين البلدين.
من المتوقع أن تشهد العاصمة المجرية بودابست لقاءً حاسمًا بين الرئيس الأميريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الأسابيع المقبلة، بهدف مناقشة سبل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
يُنظر إلى هذا الاجتماع كمحطة دبلوماسية حساسة، حيث تسعى واشنطن إلى تحقيق تقدم في المفاوضات وسط توترات مستمرة. وتثير القمة تساؤلات حول إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية، خاصة مع موقف المجر المتقارب مع موسكو، مما يجعلها ساحة محايدة محتملة للحوار.
أكد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يوم الجمعة 17 أكتوبر أن التحضيرات “تجري على قدم وساق”، وأن المجر ستضمن دخول بوتين إلى أراضيها رغم مذكرة الاعتقال الصادرة ضده من المحكمة الجنائية الدولية (ICC) بتهم جرائم حرب في أوكرانيا.
سيبدأ وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو محادثات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الأسبوع المقبل لترتيب التفاصيل.
اقرأ أيضاً:الصين ترد على أمريكا بفرض رسوم إضافية على السفن الأمريكية
السفير مسعود معلوف: وساطة ترامب بين موسكو وكييف تهدف لمجد شخصي أكثر من مجرد سلام
وفي سياق متصل، أكد السفير مسعود معلوف، سفير لبنان الأسبق لدى واشنطن والخبير في الشؤون الأميركية، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى إلى لعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا “ليس حبًّا بالأوكرانيين أو الروس، بل حبًّا بنفسه”، موضحاً أن ترامب يطمح لأن يُنسب إليه إنهاء الحرب ليُتباهى بأنه “أنهى سبع حروب طال أمدها”، كما يدّعي في خطاباته.
وأشار معلوف إلى أن ترامب حاول استغلال علاقته السابقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإقناعه بوقف الحرب، إلا أن تلك الجهود لم تلقَ تجاوباً من موسكو، رغم محاولاته المتكررة للتودد إلى بوتين، بما في ذلك “إهانة” الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال زيارة للبيت الأبيض في فبراير الماضي.

وأوضح السفير أن ترامب كان يرى في تلك المواقف وسيلة لإرضاء بوتين، حتى وصل به الأمر إلى دعوة الرئيس الروسي إلى ألاسكا وعقد اجتماع وُصف حينها بـ”الترحيبي الحار”، لكن النتيجة جاءت عكسية، إذ صعّدت روسيا من عملياتها العسكرية في أوكرانيا بعد اللقاء.
وأضاف معلوف أن ترامب غيّر موقفه بعد ذلك، وبدأ يتحدث عن إمكانية فوز أوكرانيا واسترداد أراضيها، “في محاولة للضغط على بوتين بعد أن أدرك أن الأخير لا ينوي وقف الحرب”، لكنه سرعان ما عاد ليُبدي تردداً في مسألة تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى، ربما بعد محادثة هاتفية طويلة مع بوتين، الذي “يجيد فهم نفسية ترامب وحبه للمديح”، على حد قوله.
وأكد السفير معلوف أن ترامب “يفتقر إلى استراتيجية واضحة”، وكل تركيزه ينصب على الظهور بمظهر “صانع السلام”، مشيراً إلى أنه يسعى للفوز بـ”جائزة نوبل للسلام”، وقد عبّر علنًا عن استيائه من عدم حصوله عليها بعد منحها لمعارِضة فنزويلية في العام الحالي.
وحول تأثير موقف ترامب على الموقف الأوروبي، أوضح معلوف أن أوروبا تقف صفاً واحداً خلف أوكرانيا باستثناء المجر، التي “تتبنى مواقف متقاربة مع موسكو”. وتابع أن الأنظار تتجه حالياً إلى القمة المرتقبة في بودابست بين بوتين وترامب، لافتاً إلى أن “نتائج هذا الاجتماع ستحدد إلى حد كبير شكل المواقف الأوروبية المقبلة، سواء في دعم أوكرانيا أو في التعامل مع واشنطن وموسكو”.
ومن جانبه، رأى الدكتور راشد صلاح أبو رمية، أستاذ الإعلام بجامعة 6 أكتوبر، أن فرص نجاح وساطة ترامب بين موسكو وكييف “تظل ممكنة إلى حد ما”، لكنها تواجه عدداً من العقبات السياسية والميدانية.
وأوضح أبو رمية أن ترامب يحاول الظهور بمظهر “المُصلِح” القادر على إنهاء النزاعات، مشيراً إلى أن إعلان نيّته عقد لقاء قريب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بودابست يعكس مسعاه لاستعادة دوره الدولي. وأضاف أن هناك رغبة حذرة من الجانب الأوكراني في فتح قنوات تفاوض، في حين قد ترى موسكو في أي إشارة غربية نحو إنهاء الصراع “فرصة لانتزاع مكاسب سياسية ودبلوماسية”.

لكن، بحسب أستاذ الإعلام، تعترض الوساطة عدة معوقات أبرزها تباين المواقف بين الأطراف، إذ يبدّل ترامب تصريحاته بشأن دعم أوكرانيا عسكرياً أو دعوتها لتقديم تنازلات إقليمية، بينما ترفض كييف بشكل قاطع أي مساس بأراضيها أو حقها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. في المقابل، تصر موسكو على أن أي تسوية يجب أن تراعي مصالحها الأمنية وشروطها الخاصة.
وأشار أبو رمية إلى أن التوقيت الميداني يمثل بدوره تحدياً، فالحرب مستمرة، والخسائر تتزايد، وأي اتفاق مبكر قد يُفسَّر من أحد الطرفين على أنه علامة ضعف. كما نبه إلى مشكلة المصداقية والقبول، إذ إن أي اتفاق محتمل سيتطلب موافقة من الحلفاء الأوروبيين ومن الداخل الأوكراني، وهو أمر غير مضمون حتى الآن.
واعتبر أن الوساطة قد تنجح فقط في مراحلها الأولى، مثل التوصل إلى “وقف مؤقت لإطلاق النار” أو صيغة أولية للتفاوض، لكن التوصل إلى حل شامل ودائم يبدو بعيد المنال حالياً بسبب تناقضات الأهداف والمواقف.
وحول تداعيات التحرك الأميركي على الموقف الأوروبي، أوضح أستاذ الإعلام أن الولايات المتحدة تميل إلى تحميل أوروبا عبء الحرب، وهو ما يثير قلق بعض العواصم الأوروبية التي قد تجد نفسها مضطرة إلى زيادة دعمها لأوكرانيا أو إعادة النظر في أولوياتها.
وأضاف أن التبدل في لهجة واشنطن تجاه موسكو قد يدفع بعض الدول الأوروبية، خصوصاً في الشرق مثل بولندا ودول البلطيق، إلى التشدد في مواقفها خوفاً من أي تنازلات محتملة لروسيا، في حين قد تتجه دول أخرى إلى تقليل انخراطها في الحرب لتجنب استنزاف طويل الأمد.
وأشار إلى أن هذا التباين قد يؤدي إلى توتر أو انقسام داخل حلف الناتو، خاصة إذا رأت بعض الدول أن تجميد الصراع أو التنازل عن أراضٍ أوكرانية يمثل سابقة خطيرة. ومع ذلك، شدد على أن الحلف سيحاول الحفاظ على تماسكه، وإن كان بدرجات مختلفة من الالتزام بين أعضائه.
وختم أبو رمية بالتأكيد على أن المرحلة المقبلة ستتضح ملامحها بعد قمة بودابست المرتقبة بين ترامب وبوتين، قائلاً إن “الأيام المقبلة ستكشف إن كانت الوساطة خطوة نحو تسوية حقيقية أم مجرد هدنة مؤقتة في حرب طويلة الأمد”.