يُعد الاقتصاد الإيراني من أكثر الاقتصادات تأثرًا بالعقوبات الدولية، خاصة تلك المفروضة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة، والتي تركز على القطاع النفطي، النظام المالي، والبرنامج النووي.
منذ إعادة فرض هذه العقوبات في 2018 بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة – JCPOA)، شهد الاقتصاد الإيراني انكماشًا حادًا، ارتفاعًا في التضخم، وتدهورًا في مستوى المعيشة.
ومع تصاعد التوترات الإقليمية في 2024 و2025، بما في ذلك الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على إيران في يونيو 2025، وتفعيل “آلية الزناد” في سبتمبر 2025، يتوقع الخبراء تفاقمًا إضافيًا للوضع. فيما يلي تحليل مفصل للتأثيرات الرئيسية، مدعومًا ببيانات حديثة.
1. التأثير على النمو الاقتصادي والإنتاج النفطي
النفط يشكل عماد الاقتصاد الإيراني، حيث يساهم بنحو 40-50% من الإيرادات الحكومية. العقوبات حدت من القدرة على تصدير النفط، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج والإيرادات:
– انخفضت الصادرات النفطية من ذروتها عند 2.7 مليون برميل يوميًا قبل 2018 إلى حوالي 1.5 مليون برميل في أوائل 2024، قبل ارتفاع طفيف إلى 1.8 مليون برميل في منتصف العام بفضل صفقات مع الصين.
– في 2025، توقع صندوق النقد الدولي (IMF) انخفاض الإنتاج النفطي إلى 0.1 مليون برميل يوميًا فقط، مع تراجع التصدير بنحو 300-500 ألف برميل يوميًا بسبب العقوبات الجديدة والحرب.
– أدى ذلك إلى تباطؤ النمو الاقتصادي: بلغ 4.7% في 2023، لكنه انخفض إلى 3.3% في 2024 و3.1% في 2025، وفقًا للـIMF. بدون العقوبات، كان النمو يمكن أن يصل إلى 4-5% سنويًا، حسب دراسات جامعة كامبريدج. كما تقلص حجم الاقتصاد الإجمالي من 645 مليار دولار في بداية العقوبات إلى 400 مليار دولار حاليًا، أي خسارة ثلث قيمته.
2. التضخم والانهيار النقدي
أبرز التأثيرات السلبية هو الانهيار في قيمة الريال الإيراني، الذي يعكس ضعف الوصول إلى العملات الأجنبية:
– ارتفع التضخم إلى 37.1% في مارس 2025، وتوقع الـIMF وصوله إلى 43% بنهاية العام، مما يجعل إيران الرابعة عالميًا في معدلات التضخم (بعد فنزويلا والسودان وزيمبابوي).
– بلغ سعر صرف الريال أدنى مستوياته التاريخية عند مليون ريال مقابل الدولار في 2025، مع انخفاض قيمة الأجر الشهري الأدنى من 180 دولارًا في مارس إلى أقل من 130 دولارًا في سبتمبر، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة تصل إلى 40% في الغذاء والوقود.
– من 1979 إلى 2024، ارتفع سعر السلع الأساسية بنحو 2 مليون مرة، وفقًا لويكيبيديا، مع تفاقم الوضع بعد إعادة العقوبات في 2018 التي أدت إلى تضخم يصل إلى 54% في 2022.
3. البطالة والطبقة المتوسطة
العقوبات أثرت على التوظيف والطبقات الاجتماعية:
– ارتفع معدل البطالة إلى 8.6% في الربع الأول من 2024 (من 7.6% في 2023)، مع بطالة الشباب تتجاوز 15%. يعمل حاليًا 41.3% فقط من السكان فوق 15 عامًا، وفقًا لمركز الإحصاء الإيراني.
– تقلصت الطبقة الوسطى بنسبة 17% سنويًا بين 2012 و2019، وفقًا لدراسة في ScienceDirect، مما أدى إلى زيادة الفقر والبؤس الاجتماعي. في 2025، أدى الإغلاق الجماعي للشركات إلى فقدان آلاف الوظائف، خاصة في القطاع الخاص.
4. الاحتياطيات المالية والقطاعات الأخرى
– انخفضت الاحتياطيات الدولية المتاحة إلى 4 مليار دولار في 2020، لكنها تعافت جزئيًا إلى 26 مليار دولار في أواخر 2024، و34 مليار دولار متوقعة في 2025 (شاملة الذهب غير السائل).
– تأثرت القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة، مع ارتفاع تكاليف الاستيراد بنسبة 60%، مما أدى إلى شلل في الحركة الاقتصادية.
كما حذرت هيئة الرقابة المالية الألمانية (BaFin) في مارس 2025 الشركات الألمانية من التعامل مع إيران بسبب مخاطر غسيل الأموال والإرهاب.
5. جهود إيران للالتفاف والآفاق المستقبلية
رغم الضغوط، تسعى إيران للتكيف من خلال:
– تعزيز التصدير إلى الصين (التي تشتري معظم النفط الإيراني) وروسيا، وتطوير برامج الاكتفاء الذاتي في الزراعة، الصناعة، والأدوية.
– تحسين العلاقات الإقليمية لتقليل الاعتماد على الغرب، كما في سيناريوهات 2024-2025.
– ومع ذلك، يُتوقع ركود طويل الأمد إذا استمرت العقوبات، مع إمكانية اضطرابات اجتماعية كتلك في 2019، خاصة مع عودة سياسة “الضغط الأقصى” تحت إدارة ترامب في 2025.
في الختام، العقوبات لم تمنع إيران من الاستمرار في برنامجها النووي، لكنها أضعفت اقتصادها بشكل كبير، مما يهدد الاستقرار الداخلي،رفعها يتطلب عودة إلى الاتفاق النووي، لكن التوترات الحالية تجعل ذلك بعيد المنال.
