أخبار دوليةتقارير

كييف تتهم وترامب يهدد: صراع زابوروجيا يشتعل بين موسكو وواشنطن

اتهم وزير الخارجية الأوكراني أندريي سيبيها روسيا يوم الأحد بقطع خط الطاقة الخارجي الواصل إلى محطة زابوروجيا النووية، التي تخضع لسيطرة القوات الروسية منذ الأسابيع الأولى من الغزو في فبراير 2022.

وأوضح سيبيها أن موسكو “تحاول اختبار إعادة توصيل المحطة بالقوة إلى شبكتها الكهربائية”، واصفًا الخطوة بأنها “محاولة لسرقة منشأة نووية أوكرانية سلمية”.

وأضاف الوزير الأوكراني أن بلاده كانت قد حذّرت مرارًا من نية روسيا تحويل إنتاج المحطة إلى شبكتها الخاصة، بينما نفى المسؤولون الروس تلك الاتهامات مؤكدين أن المحطة متوقفة عن العمل في الوقت الراهن. وتواجه المحطة منذ نحو ثلاثة أسابيع انقطاعًا تامًا للطاقة الخارجية، ما اضطر الفنيين للاعتماد على مولدات ديزل طارئة للحفاظ على تبريد الوقود ومنع حدوث كارثة نووية محتملة.

الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدعو لضبط النفس

من جانبها، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التابعة للأمم المتحدة، أنها تتابع الوضع في زابوروجيا عن كثب، مشيرة إلى أن عملية إعادة إنشاء الاتصال الكهربائي بالمحطة جارية، ودعت الوكالة كلا الجانبين إلى الامتناع عن أي أعمال تعرض السلامة النووية للخطر.

وفي خطابه المصور الليلي، شدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على أن “استعادة الأمن في المحطة ليس في مصلحة روسيا”، داعيًا الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى اتخاذ موقف أكثر وضوحًا وصدقًا تجاه ما يجري.

واشنطن تراقب.. وترامب يلوّح بتصعيد عسكري

وفي تطور متزامن، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه يفكر في إرسال صواريخ “توماهوك” بعيدة المدى إلى أوكرانيا. وردًّا على سؤال للصحفيين على متن طائرته الرئاسية “إير فورس وان” حول ما إذا كان سيزود كييف بهذه الصواريخ، قال ترامب:”سنرى… ربما أفعل”.

وأضاف أن هذه الصواريخ ستكون “خطوة جديدة من العدوان” في الحرب مع روسيا، مشيرًا إلى أن قراره سيُتخذ بناءً على نتائج اللقاء المرتقب مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي في واشنطن يوم الجمعة المقبل.

لقاء مرتقب في البيت الأبيض لبحث الدفاع الجوي والهجمات المضادة

أكد ترامب أن البيت الأبيض سيستقبل زيلينسكي الجمعة، في زيارة تُعد الثالثة للرئيس الأوكراني إلى واشنطن منذ يناير الماضي. وقال إن المحادثات ستتركز على أنظمة الدفاع الجوي والقدرات الهجومية بعيدة المدى.

وجاء الإعلان عقب مكالمة هاتفية بين الزعيمين دعا فيها زيلينسكي إلى “دعم عسكري أقوى” لمواجهة الهجمات الروسية المتكررة، خصوصًا مع اقتراب فصل الشتاء واستهداف موسكو للبنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، مما أدى إلى انقطاعات واسعة للكهرباء في عدة مدن.

اقرأ أيضاً:تحذير ألماني خطير: روسيا قد تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع الناتو

تحذيرات روسية من “تصعيد خطير”

من جهته، حذر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف من أن فكرة تزويد كييف بصواريخ توماهوك “تثير قلقًا بالغًا” لدى موسكو، مشيرًا إلى أن الوضع أصبح دراماتيكيًا للغاية مع تصاعد التوترات من جميع الأطراف.

وقال بيسكوف إن الصواريخ الأمريكية، التي يبلغ مداها نحو 2,500 كيلومتر، يمكن أن تصل إلى العاصمة الروسية موسكو، مضيفًا:”إذا تم إطلاقها، فلن تتمكن روسيا من تحديد ما إذا كانت تحمل رؤوسًا نووية أم لا… فبماذا يجب أن تفكر روسيا؟ وكيف ينبغي أن ترد؟”.

وفي تصريحات أكثر تشددًا، كتب الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف على وسائل التواصل الاجتماعي مؤكدًا كلام بيسكوف، قائلاً:”قد تنتهي عملية تسليم هذه الصواريخ بشكل سيئ للجميع، وخاصة لترامب نفسه”.

مشهد متوتر ومخاوف من توسع الصراع

تأتي هذه التطورات في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية على كل من موسكو وكييف لضمان سلامة منشآت الطاقة النووية، وسط مخاوف من أن يؤدي أي خلل في محطة زابوروجيا إلى كارثة بيئية وإنسانية كبرى.

كما يعكس الحديث الأمريكي عن تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى تحولًا في نهج واشنطن تجاه موسكو، بعد أن أصبح موقف ترامب أكثر تشددًا تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يواجه انتقادات دولية متزايدة لرفضه الانخراط في مفاوضات سلام.

اقرأ ايضاً:ترامب يهدد موسكو بتزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» إن لم توقف الحرب قريباً

وبينما تتهم كييف موسكو بـ”سرقة الطاقة النووية الأوكرانية”، ترى روسيا أن الولايات المتحدة تدفع المنطقة نحو مواجهة مباشرة بين القوتين النوويتين، ما يجعل المرحلة المقبلة من الحرب الأوكرانية الأخطر منذ اندلاعها قبل أكثر من عامين.

موسكو تسعى لترسيخ نفوذها حول محطة زاباروجيا النووية

وفي سياق متصل، أكد إيفان أوس، كبير مستشاري المعهد الأوكراني للدراسات والمحلل السياسي، في حديث خاص لـ”داي نيوز”، أن روسيا تسعى بشكل واضح إلى ترسيخ نفوذها في محيط محطة زاباروجيا النووية، التي تُعد أكبر محطة نووية في القارة الأوروبية، مشيرًا إلى أن هذا التوجه الروسي لا يقتصر على الجوانب العسكرية فحسب، بل يمتد ليشمل أبعادًا سياسية واستراتيجية تتعلق بأمن الطاقة الأوروبي.

إيفان أوس كبير مستشاري المعهد الأوكراني للدراسات والمحلل السياسي
إيفان أوس كبير مستشاري المعهد الأوكراني للدراسات والمحلل السياسي

وأوضح أوس أن موسكو تعمل منذ بداية الحرب على تثبيت وجودها في المنطقة وإرسال رسالة مفادها أنها لن تنسحب قريبًا، بل تنوي البقاء لفترة طويلة، مؤكدًا أن السيطرة على محطة زاباروجيا تمثل بالنسبة لروسيا ورقة نفوذ حيوية في مواجهة الغرب، لا سيما وأنها تقع في منطقة تشكل نقطة تماس مباشرة مع أوكرانيا والاتحاد الأوروبي.

وأضاف أن الولايات المتحدة الأمريكية تُبدي اهتمامًا متزايدًا بهذه المحطة، نظرًا لأهميتها في منظومة الطاقة الأوروبية، وأن واشنطن لا تخطط للسماح لروسيا بالتحكم الكامل فيها، بينما تحاول روسيا من جانبها أن تُظهر أن المحطة تابعة لها إداريًا وتقنيًا، وتسعى لإقناع العالم بأن وجودها هناك ضروري لـ”ضمان الاستقرار النووي”.

وأشار أوس إلى أن عدداً من الدول التي تربطها علاقات جيدة بروسيا أبدت اهتمامًا بالموقف، ودعت موسكو إلى عدم فرض سيطرة كاملة على المحطة، حفاظًا على توازن المصالح وضمان عدم استخدام المنشأة لأغراض سياسية.

ولفت إلى أن روسيا، حتى عندما فقدت السيطرة المؤقتة على بعض المناطق المحيطة بمحطة زاباروجيا خلال فترات سابقة، كانت تعود لتؤكد وجودها من جديد، في محاولة لتثبيت فكرة أن وجودها هناك أمر دائم وغير قابل للتراجع.

وأكد المحلل السياسي أن هذه السياسة تعكس رغبة موسكو في نقل مركز الثقل الجيوسياسي نحو المناطق التي تسيطر عليها، مشيرًا إلى أن زاباروجيا تمثل اليوم أكثر من مجرد منشأة نووية، فهي رمز للهيمنة الروسية ورسالة سياسية إلى الغرب بأن روسيا لا تزال تمتلك أدوات ضغط قوية في ملف الطاقة.

كما أشار إلى أن الخبراء في مجال الطاقة والبيئة يعتبرون إدارة محطة زاباروجيا من أكثر الملفات تعقيدًا في الوقت الراهن، إذ ترتبط سلامتها واستقرارها بأمن الطاقة الأوروبي والعالمي، محذرين من أن أي اضطراب أو سوء إدارة في المحطة قد يؤدي إلى كارثة بيئية وإنسانية واسعة النطاق.

وختم أوس حديثه بالقول إن المرحلة المقبلة ستشهد على الأرجح تحركات دولية أكبر من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبعض القوى العالمية، لضمان عدم انفراد موسكو بالقرار حول مستقبل المحطة، وربما يتم بحث إشراف دولي مشترك يضمن تشغيلها بأمان ويحافظ على توازن المصالح بين جميع الأطراف المعنية.

من جانبه، يرى أحمد ماجد، الباحث في الدراسات السياسية والاستراتيجية ، أن محطة زابوروجيا النووية تمثل قنبلة موقوتة في قلب الصراع الروسي الأوكراني، ليس فقط لأنها أكبر محطة نووية في أوروبا، بل لأنها تحولت إلى ورقة ضغط سياسية وأمنية حساسة تستخدمها موسكو وكييف في معادلات النفوذ الإقليمي والدولي.

 أحمد ماجد الباحث في الدراسات السياسية والاستراتيجية
أحمد ماجد الباحث في الدراسات السياسية والاستراتيجية

وأوضح ماجد أن السيطرة على المحطة أو فقدانها قد يغيّر ميزان الطاقة في المنطقة، لكن الأخطر  بحسب تعبيره –هو أن أي خطأ تقني أو عسكري قد يؤدي إلى كارثة نووية تتجاوز حدود أوكرانيا لتطال أوروبا بأسرها، مؤكدًا أن حماية المنشأة يجب أن تكون أولوية دولية لا مجال فيها للمساومات السياسية.

أما فيما يتعلق بقرار الولايات المتحدة دراسة تزويد أوكرانيا بصواريخ “توماهوك” بعيدة المدى، فيرى الباحث أن هذا التوجه يعكس رغبة واشنطن في تعزيز القدرات الدفاعية لكييف، لكنه في المقابل يحمل مخاطر تصعيد جديدة قد تدفع موسكو إلى ردود أفعال غير متوقعة، خصوصًا في ظل التحذيرات الروسية المتكررة من المساس بأمنها القومي.

وختم ماجد تصريحه بالتأكيد على أن الحل الحقيقي لا يكمن في مزيد من التسليح أو التصعيد، بل في تجنب المواجهة المباشرة بين القوى الكبرى، وإيجاد آلية دولية تضمن سلامة المنشآت النووية وتمنع سباق التسلح في المنطقة، لأن استمرار هذا النهج التصعيدي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى