رياضة

“آلية الزناد” في عيون الإيرانيين: رصاصة سياسية تصيب الحياة اليومية

كتبت: هدير البحيري

في أواخر أغسطس الماضي، أعادت أوروبا إدخال إيران إلى قلب العاصفة. فقد أعلنت دول الترويكا الأوروبية – بريطانيا، فرنسا، وألمانيا – تفعيل ما يُعرف بـ”آلية الزناد” ضمن الاتفاق النووي لعام 2015، متهمةً طهران بعدم الالتزام بتعهداتها النووية.

هذه الخطوة، التي أعادت فرض العقوبات الأممية خلال ثلاثين يومًا، لم تكن مجرد مناورة قانونية في أروقة مجلس الأمن، بل كانت رصاصة إنذار في صدر الاقتصاد الإيراني المتعب.

وبينما تتجه الأنظار إلى فيينا ونيويورك لمتابعة المفاوضات والبيانات، يعيش الإيرانيون يومياتهم تحت ضغط جديد. فكل إشعار دبلوماسي من الخارج يتحول في الداخل إلى قفزة في سعر الدولار، وتغير في لهجة الإعلام، وقلقٍ متجدد من أن تُغلق الأبواب القليلة التي ما زالت تُدخل الأمل إلى بيوتٍ أنهكها الغلاء.

هنا، لا تُقاس آلية الزناد بعدد القرارات الأممية، بل بعدد السلع التي ارتفع ثمنها في الأسواق، وبعدد العائلات التي أصبحت تخاف من الغد أكثر مما تخاف من الأخبار.

قراءة الشارع الإيراني لآلية الزناد

وفي هذا السياق، قالت الباحثة في الشؤون الإيرانية إسراء جبريل لـ”داي نيوز” إن الشارع الإيراني ينظر إلى تفعيل “آلية الزناد” من قبل الترويكا الأوروبية كـ”تدهور دبلوماسي” يحمل تأثيرًا مباشرًا على الحياة اليومية.

وأوضحت أن الرأي العام في المدن الكبرى يدرك الجانب الاقتصادي من القرار أكثر من خلفياته القانونية، إذ يربط المواطن العادي بين هذا التطور و”عودة العقوبات”، وما يرافقها من ارتفاع الأسعار وصعوبة الاستيراد وازدياد التضخم الذي تجاوز في بعض السلع الغذائية 40%.

وأضافت جبريل أن التقارير الميدانية رصدت تقلبًا في سعر الصرف وردود فعل متوترة في الأسواق، مشيرةً إلى أن سعر الدولار تخطى الأحد (12 أكتوبر) مليونًا ومائتي ألف ريال إيراني، ما يعكس حالة القلق بين التجار والمستهلكين على حد سواء.

عزلة أم صمود؟

ترى جبريل أن المشهد النفسي والاجتماعي في إيران اليوم مركب ومعقد. فبينما تعتمد الدولة خطابًا روحانيًا ووطنيًا يؤكد على “المقاومة والصمود” في مواجهة الضغوط الخارجية، تعيش شرائح واسعة من الشباب والطبقة الوسطى إحساسًا متزايدًا بالعزلة والإحباط الاقتصادي.

وأوضحت أن الخطاب الرسمي يحاول التركيز على مفاهيم الثبات والمواجهة، في حين تتزايد بين فئات المجتمع نبرة التشكيك في جدوى هذه السياسات، خصوصًا لدى الجيل الشاب الذي يواجه أزمات معيشية خانقة وفرصًا محدودة.

مسؤولية الأزمة.. خارج الحدود أم داخلها؟

وقالت الباحثة إن الإجابات تختلف باختلاف الفئات الاجتماعية، فبينما تميل قطاعات من الإيرانيين إلى تحميل الغرب والعقوبات الخارجية مسؤولية التدهور المعيشي، خصوصًا المتضررين مباشرة من تراجع التبادل التجاري، هناك في المقابل شريحة متزايدة ترى أن السبب الرئيس هو سوء الإدارة الاقتصادية الداخلية والفساد المؤسسي.

واستشهدت جبريل بعدة دراسات داخلية تؤكد أن فقدان الثقة في الأداء الحكومي أصبح عاملًا مهمًا في تشكيل المواقف الشعبية، أكثر من تأثير العقوبات بحد ذاتها.

اختلاف المواقف بين الفئات الاجتماعية

بحسب جبريل، هناك تباينات واضحة في المواقف بين شرائح المجتمع الإيراني؛ فـالشباب والطبقات المتعلمة في المدن الكبرى يعبرون عن ميول نقدية حادة تجاه النظام السياسي، ويطالبون بإصلاحات حقيقية أو تغييرات بنيوية.

أما طبقة التجار وقطاع الأعمال فموقفها عملي وبراجماتي، إذ تركز على استقرار السوق وتبحث عن طرق لتجاوز القيود عبر العمل مع شركاء مثل الصين وروسيا أو عبر قنوات غير رسمية.

بينما تبقى الطبقة الوسطى منقسمة بين من يرى أن الحل داخلي عبر إصلاحات سياسية واقتصادية، ومن يتبنى خطابًا وطنيًا يدعو إلى الصمود في وجه الضغوط الخارجية.

تآكل الثقة واتساع الفجوة بين الشارع والنظام

وأشارت الباحثة إلى أن الأزمات الاقتصادية المتتالية عمقت الفجوة بين فئات واسعة من المواطنين والمؤسسات الحاكمة، وأدت إلى تآكل الثقة العامة في قدرة الدولة على إدارة الملفين الداخلي والخارجي.

وقالت جبريل إن الاحتجاجات العمالية والمطلبية الأخيرة تعبر عن أن الشارع بات يترجم السياسات الخارجية إلى أزمات معيشية ملموسة، مثل شح السلع وارتفاع الأسعار.

ومع ذلك، ما زالت هناك قواعد اجتماعية داعمة لسياسات “المقاومة”، خصوصًا داخل المحافظات والمؤسسات الأمنية، وبين المتأثرين بخطاب المواجهة مع الغرب.

بين الغضب والخوف والاستسلام

ووصفت جبريل الحالة العامة في إيران اليوم بأنه مزيج من الغضب والخوف والتكيف. فهناك من يشعر بالإحباط والغضب من الأوضاع المعيشية وسوء الإدارة، وآخرون يعيشون حالة قلقٍ وخوف من تصعيد دولي جديد قد يؤدي إلى صدمات في الأدوية أو الغذاء.

وفي المقابل، تظهر فئات ثالثة اختارت الاستسلام الواقعي ومحاولة التكيف مع الوضع، تركز على البقاء اليومي بدل انتظار التغيير.

ولفتت الباحثة إلى أن الموقع الطبقي والاقتصادي يحدد غالبًا نوع المشاعر السائدة في كل شريحة.

مدى تأثير الرأي العام على قرارات النظام

أكدت جبريل أن طبيعة النظام السياسي الإيراني تحد من تأثير الرأي العام على القرارات الكبرى، إذ تبقى السياسات الاستراتيجية والدفاعية والنووية محصورة في مؤسسات عليا مثل مكتب المرشد والقوى المسلحة وشبكات المصالح المرتبطة بها.

ومع ذلك، أضافت أن الضغط الشعبي قد يؤدي أحيانًا إلى تراجعات أو تعديلات في السياسات الاقتصادية أو المعيشية إذا بلغ الاحتقان مستويات مرتفعة ومستمرة.

السيناريوهات المحتملة في المرحلة المقبلة

وترى جبريل أن الأشهر المقبلة قد تشهد واحدًا من ثلاثة مسارات رئيسية. الأول يتمثل في تصعيد مرحلي متبادل بين طهران والدول الغربية، يأخذ شكل ردود دبلوماسية واقتصادية وأمنية متبادلة، مع تصاعد الضجيج الإعلامي دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية شاملة.

أما السيناريو الثاني فيتجه نحو مناورة تفاوضية من خلال وسطاء، تسعى إلى تخفيف الضغوط الاقتصادية على إيران مقابل تنازلات تقنية محدودة في الملف النووي.

في حين يقوم السيناريو الثالث على احتواء طويل الأمد، يعتمد على تعميق الشراكات مع الصين وروسيا، وتشديد القبضة الداخلية على المجتمع والاقتصاد لتقليل آثار العقوبات الغربية.

قدرة الاقتصاد الإيراني على الصمود

قالت جبريل إن الاقتصاد الإيراني قادر على امتصاص الصدمات قصيرة المدى عبر الاحتياطيات وشبكات التهريب وقنوات التبادل غير الرسمية، لكنه عاجز عن الصمود طويلًا دون تراجع في مستوى المعيشة وتقلص الاستثمار.

وأوضحت أن البدائل المحتملة للنظام تتركز على تعزيز التبادل مع شركاء خارج المنظومة الغربية، والاعتماد على العملات المحلية أو المبادلات السلعية، إضافة إلى تشديد الرقابة على السوق والعملات. كما قد يلجأ إلى خفض بعض الدعم الحكومي أو إعادة توجيه الموارد لدعم القطاعات الاستراتيجية الأساسية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى