أخبار دوليةتقارير

تحالف بحر قزوين الجديد: خطوة نحو “أمنٍ مغلق” وبحرٍ “بلا غرباء”

كتبت: إسراء جبريل

في خطوة قد ترسم ملامح جديدة لخارطة النفوذ الجيوسياسي في أوراسيا، أعلنت أربع دول ساحلية على بحر قزوين عن ميلاد “نظام أمني مغلق” يستبعد القوى الأجنبية بشكل قاطع.

ففي الثامن من أكتوبر 2025، شهدت مدينة سانت بطرسبورغ الروسية توقيع قادة القوات البحرية لكل من إيران، روسيا، كازاخستان، وأذربيجان وثيقة تعاون استراتيجي شاملة، وصفت بأنها إعلان عملي لـ “درع سيادي لبحر قزوين”.

ويُمثل هذا التحالف البحري الإقليمي، الذي يتم تحت مظلة تنسيق عسكري–أمني متصاعد بين موسكو وطهران، نقطة تحول نوعية في ملف الأمن البحري في أكبر بحر مغلق في العالم. فما هي الدوافع والأبعاد الخفية وراء هذا التقارب الذي يأتي في خضم التوترات العالمية المتصاعدة؟

دوافع التقارب وأهدافه الاستراتيجية

يأتي هذا الاتفاق في سياق عالمي يتسم بتصاعد التوتر بين الشرق والغرب، وبعد انكشاف حدود النفوذ العسكري الغربي في أوراسيا إثر حرب أوكرانيا. ورغم أن اتفاقية الوضع القانوني لبحر قزوين لعام 2018 قد أرست بعض الأساسيات، إلا أن اجتماع سانت بطرسبورغ أكّد صراحةً أن أمن البحر هو “مسؤولية داخلية فقط”، وأن أي تدخل من “قوة غير إقليمية” يُعد انتهاكًا مباشرًا للسيادة.

وتتركز أهداف الاتفاقية حول إنشاء منظومة أمنية متكاملة، ويمكن تقسيمها إلى محاور معلنة وأخرى استراتيجية خفية:

  • الأهداف المعلنة:
    • منع الوجود العسكري الأجنبي: وهو الهدف الأبرز، لضمان الأمن المستدام في البحر.
    • تنسيق المراقبة والدوريات المشتركة: لحماية خطوط الملاحة ومنشآت الطاقة الحيوية.
    • تطوير البنية التحتية: بما يشمل الموانئ العسكرية لخدمة الأمن الجماعي.
  • الأهداف غير المعلنة (وفقاً لمراكز بحثية):
    • منطقة نفوذ أوراسية صافية: تحويل بحر قزوين إلى منطقة تُقاد بشكل رئيسي من قبل موسكو وطهران، وفقاً لتقارير مثل Carnegie Endowment و Al-monitor.
    • تحصين الممرات التجارية: خصوصًا مشروع الممر “الشمالي–الجنوبي” الاستراتيجي الرابط بين روسيا والخليج عبر إيران.
    • ردع سياسي: استخدامه كأداة ضد أي محاولات أطلسية للتقرب من دول آسيا الوسطى.

الطابع العسكري والأمني للتحالف

يشير الطابع العسكري للوثيقة إلى تأسيس “شبكة دفاعية منسّقة”، وهي خطوة تتجاوز مجرد التعاون اللوجستي. تشتمل هذه الشبكة على تبادل مكثف للمعلومات الاستخباراتية، وربط لأنظمة المراقبة الساحلية، وإجراء مناورات بحرية مشتركة منتظمة. وقد أكدت الدول الموقعة أن “أي وجود أجنبي في مياه قزوين سيُعتبر تهديدًا مباشرًا للأمن الجماعي”. كما تفتح الوثيقة الطريق أمام إنشاء “درع قزويني دفاعي” يهدف إلى رصد التحركات البحرية في كامل البحر عبر تعاون مباشر بين القوات البحرية الأربع. وتكشف المصادر الروسية عن خطط لتطوير مرافئ عسكرية جديدة في خليج أنزلي (إيران) وبندر أكتاو (كازاخستان) ضمن برنامج التعاون الفني–العسكري للفترة 2026–2030.

الأبعاد الاقتصادية وعملية “إزالة الدولار”

يُعد بحر قزوين خزانًا هائلاً للطاقة، إذ يضم نحو 50 مليار برميل من النفط و8.4 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. تُحصّن الاتفاقية هذه الثروات، وتمنح الدول الموقعة سلطة مشتركة على طرق التصدير وأنابيب الطاقة العابرة، ما يعزز استقلاليتها عن النظام التجاري الغربي. ويتقاطع هذا المسار مع توسيع استخدام العملات المحلية في التبادل التجاري بين الدول الموقعة، في إطار ما يُوصف بـ “إزالة الدولار من البحر”.

الرسائل السياسية والاستراتيجية المرسلة

يحمل هذا التحالف رسائل استراتيجية واضحة ومتباينة لكل الأطراف المعنية:

  • لموسكو: إعادة تأكيد لدورها كـ “قوة مركزية” في أوراسيا وحارس لبحر قزوين.
  • لطهران: تثبيت لموقعها كـ “قوة بحرية إقليمية صاعدة” على الرغم من العقوبات الدولية.
  • لكازاخستان وأذربيجان: سعي لتحقيق “توازن دقيق” بين القوتين الإقليميتين (روسيا وإيران) دون خسارة علاقاتهما الاقتصادية مع الغرب.
  • للغرب: رسالة حاسمة بأن “قزوين لم يعد ساحة مفتوحة” لأي وجود أمني أطلسي.

ووفقًا لتحليلات، فإن الوثيقة “تُرسّخ توجهًا نحو نظام أمني مغلق في أوراسيا، حيث تتراجع قدرة الولايات المتحدة على التأثير في مناطق الطاقة والعبور الاستراتيجية”.

السيناريوهات المستقبلية

تبقى تداعيات هذا الاتفاق مرهونة بمدى تطبيقه، وتُشير التوقعات إلى ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

  1. التعاون التدريجي (السيناريو الأرجح): استمرار في المناورات المحدودة والتبادل الاستخباراتي، مع تجنب التصعيد الكبير.
  2. تشكيل قوة بحرية مشتركة فعلية: خطوة نوعية من شأنها تغيير ميزان القوى الإقليمي وإثارة قلق الغرب بشكل أكبر.
  3. توتر داخلي محتمل: قد ينشأ في حال اختلاف المصالح الجيوسياسية أو الاقتصادية بين الدول الموقعة، لا سيما بين باكو (أذربيجان) وطهران أو موسكو وأستانة (كازاخستان).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى