تقارير

السد الصيني على نهر براهمابوترا.. مشروع عملاق يثير مخاوف الهند وبنغلاديش

في الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى تعزيز أمنها الطاقي وتوسيع نفوذها الإقليمي، أثار مشروع السد العملاق على نهر براهمابوترا مخاوف متزايدة لدى جيرانها، خصوصًا الهند وبنغلاديش.

فالنهر الذي ينبع من التبت ويجري عبر أراضي الدول الثلاث، يمثل شريان حياة لملايين السكان، ما يجعل أي تغيير في مجراه قضية حساسة تمس الأمن المائي والسياسي لجنوب آسيا.

خلفية المشروع

يُعرف نهر براهمابوترا في الصين باسم يارلونغ تسانغبو، وينبع من جبال الهيمالايا في منطقة التبت قبل أن يتجه جنوبًا نحو الهند وبنغلاديش.

وفي عام 2021، أعلنت بكين رسميًا نيتها إنشاء أكبر سد كهرومائي في العالم على هذا النهر في مقاطعة ميدوغ — وهي خطوة تهدف إلى توليد الطاقة النظيفة وتلبية الطلب المتزايد داخل الصين.

لكنّ المشروع — الذي يقع في منطقة ذات طبيعة جيولوجية معقدة ونشاط زلزالي مرتفع — أثار قلقًا كبيرًا لدى جيران الصين الذين يخشون من أن يتحول السد إلى ورقة ضغط سياسية ومائية في المستقبل.

الأهداف الصينية المعلنة

تقول الصين إن مشروع السد يأتي ضمن خطتها لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، عبر التوسع في الطاقة الكهرومائية كبديل للفحم.

كما تسعى إلى تنمية المناطق الحدودية النائية في التبت وتحسين بنيتها التحتية.

ورغم هذه الأهداف التنموية، يرى مراقبون أن للمشروع أبعادًا استراتيجية، خصوصًا أنه يمنح الصين القدرة على التحكم في تدفقات المياه نحو دول المصب.

المخاوف الهندية والبنغلاديشية

تعتبر الهند المتضرر الأكبر، إذ يعتمد شمال شرق البلاد على نهر براهمابوترا في الزراعة والشرب والصناعة.

وتخشى نيودلهي من أن يؤدي المشروع إلى تقليل تدفق المياه في موسم الجفاف، أو التسبب في فيضانات كارثية في حال انهيار السد.

أما بنغلاديش، التي تقع في أدنى مجرى النهر، فتواجه خطر نقص المياه وتملح الأراضي الزراعية.

وقد دعت دكا مرارًا إلى آلية إقليمية لتبادل البيانات المائية لضمان الشفافية بين الدول المتشاطئة.

أبعاد جيوسياسية

يأتي المشروع في وقت تتزايد فيه التوترات بين بكين ونيودلهي على خلفية النزاع الحدودي في جبال الهيمالايا.

ويرى محللون أن بناء السد في منطقة متنازع عليها يحمل رسالة قوة سياسية أكثر من كونه مشروعًا تنمويًا.

كما يثير المشروع تساؤلات حول توازن القوى في آسيا، إذ يتيح للصين أداة ضغط جديدة في أي أزمة مستقبلية، خصوصًا في ظل غياب اتفاق قانوني شامل ينظم استخدام مياه النهر بين الدول الثلاث.

الموقف الدولي

رغم أن الصين تؤكد التزامها بالمعايير البيئية الدولية، إلا أنها ترفض المشاركة في أي اتفاقيات مائية متعددة الأطراف تخص نهر براهمابوترا.

من جانبها، تحاول الهند تعبئة الدعم الدولي عبر الأمم المتحدة ومجموعة البريكس، مطالبةً بضرورة إشراف دولي على مشروعات الأنهار العابرة للحدود لضمان الأمن المائي الإقليمي.

سيناريوهات المستقبل

يرى خبراء أن مستقبل نهر براهمابوترا سيتحدد بناءً على مدى استعداد الصين للحوار والشفافية.

ففي حال التعاون، يمكن أن يشكل السد مصدرًا مشتركًا للطاقة والتنمية.

أما في حال غياب التفاهم، فقد يتحول إلى بؤرة توتر إقليمي جديدة في واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم.

يبقى مشروع السد الصيني على نهر براهمابوترا اختبارًا حقيقيًا لقدرة دول جنوب آسيا على تحقيق توازن بين التنمية والأمن المائي.

فإما أن يكون رمزًا للتعاون الإقليمي، أو شرارة لصراع جديد على المياه في القرن الحادي والعشرين

Mariam Hassan

مريم حسن كاتبة وصحفية متخصصة في الشأن الهندي ـ الباكستاني و جنوب شرق آسيا خبرة سنتين في مجال العمل الصحفي والإعلامي. أماكن العمل : داي نيوز الإخباري. أعمل على ترجمة وتحرير الأخبار والتقارير الصحفية المتنوعة. تحليل و دراسة التحولات السياسية والتهديدات الأمنية في آسيا وانعكاساتها على الأمن القومي المصري والعربي. متابعة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، وتحليل سياسات القوى الإقليمية وأنماط التحالفات بين جنوب آسيا والشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى